في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية في تونس التي ألقت بظلالها على سوق الشغل، ازداد اهتمام الشباب التونسي بمجال ريادة الأعمال؛ الأمر الذي أدى إلى بروز مشاريع ريادة أعمال شبابية ذاتية من رحم البطالة والكساد وأخرى بدعم حكومي.
مبادرات عديدة
يسعى عديد من الشباب في تونس إلى استثمار الامتيازات التي توفرها الدولة لبعث المشاريع الخاصة، نتيجة فقدانهم الأمل في إيجاد فرصة عمل لهم في سواء في القطاع الخاص أم حتى القطاع العمومي، حيث بلغت نسبة البطالة في البلاد في الثلاثي الرابع للسنة الماضية 15.5%.
فأمام عجزها عن توفير فرص شغل للعاطلين عن العمل، تحاول الحكومة التونسية تطوير سوق العمل وخلق بيئة عمل واستثمار مناسبة وغرس ثقافة ريادة الأعمال الجديدة في البلاد من خلال العديد من الحملات، من بينها حملة النجم Innajim التي تهدف إلى دفع المبادرة الخاصة وتبسيط آلية إنشاء شركات جديدة للشباب في مختلف مناطق البلاد مثل سليانة وقابس وسيدي بوزيد وغيرها، وتعتمد ريادة الأعمال على مشروعات صغيرة برأس مال صغير وفكرة مشروع مبدعة.
وفي السنوات الأخيرة التي تلت الثورة التونسية، فتحت عديد من المؤسسات الدولية والإقليمية مكاتب لها في تونس لتزويد المبادرين بالتمويل الأولي والإرشاد الإستراتيجي والمكاتب وورش العمل التنموية، لدفعهم لفتح مشاريع خاصة بهم، وأمام هذا، فقد أصبح للشباب التونسي خيارات كبيرة، فهناك أصحاب رؤوس أموال وحاضنات ومبادرات ذات أهداف محددة تقدم طرقًا غير تقليدية في العمل والتوظيف.
من بين هذه المبادرات، “مشروعي“، وهي مبادرة مشتركة بين منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وحكومة إيطاليا، ومؤسسة إتش بي، ويهدف هذا المشروع إلى معالجة مشكلة البطالة من خلال ريادة الأعمال وتنمية المشاريع في تونس.
وأيضًا برنامج سلوش غلوبال إمباكت أكسيليريتور، وهو برنامج عالمي يدعم الشركات الناشئة المستدامة، مركزه الرئيسي في تونس العام الماضي، مما يتيح للمشاريع الاجتماعية المحلية فرصة الحصول على الاستثمارات التي تسعى وراء إحداث منافع بيئية أو اجتماعية والإرشاد الإستراتيجي، وتكون مهمتها الاجتماعية إضافة إلى أدائها المالي أمرًا مهمًا للمستثمر
وفقًا للتقرير السنوي للمعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية الذي يعالج العلاقة بين التنمية الاقتصادية وريادة الأعمال، الصادر في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، احتلت تونس المرتبة الأولى مغاربيًا في مجال ريادة الأعمال والمرتبة الأربعين عالميًا، محافظة بذلك على نفس الترتيب بالمقارنة مع العام الماضي.
وتفاوتت نسب التطور التي سجلتها تونس في مختلف العناصر التي قام عليها مؤشر ريادة الأعمال، إذ سجلت معدل 48% فيما يخص تطور فرص المقاولات الناشئة، و57% بالنسبة للرأس المال البشري، و25% بالنسبة للمنافسة، و57% لسيرورة الابتكار، ثم 22% فيما يتعلق بالتدويل.
الاقتصادي الرقمي
أهم مشاريع ريادة الأعمال في تونس، في مجال الاقتصادي الرقمي، وسبق أن أطلقت تونس قبل سنوات مشروع “خارطة الطريق تونس الرقمية 2018″، وحثت القطاعين العمومي والخاص ورجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للتوجه نحو التجارة الإلكترونية.
وتربعت تونس على قائمة الدول العربية والإفريقية ضمن مؤشر الاقتصادات الأكثر ابتكارًا للعام 2017 الذي أعدته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، وهو تصنيف يعكس مستوى النجاحات التي تحققت بفضل مهارة المهندسين التونسيين في قطاع التكنولوجيا
ويأتي هذا التصنيف عقب سلسلة من الجوائز العالمية التي حصدها مخترعون تونسيون كثر في شتى المجالات خلال السنوات الماضية، مما جعل كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تكنولوجيات الاتصال أو صناعة مكونات الطائرات أو غيرها تسعى لاستقطابهم أو التعاون معهم.
وأضحت مؤخرًا، ريادة الأعمال من أهم الأعمدة الرئيسية في الاقتصادات العالمية ليس لما لها من تأثير اقتصادي ولكن لما لها من تأثير اجتماعي كأداة لحل مشكلة البطالة وغيرها من المشكلات، وتقوم الدول بعمل ما يسمى حضانات الأعمال وهي عبارة عن مجموعة من الخدمات تقدم للشركات الناشئة التي تقدم أفكارًا جديدة في سوق العمل.
نماذج لريادة الأعمال
زينب بن بلقاسم، الرئيس المدير العام لكاربو تاك، كانت من بين الشباب التونسي المستفيد من برنامج مشروعي، وتمتلك زينب الحاصلة على شهادة جامعية اختصاص إنجليزية الأعمال، مشروع لإنتاج الفحم النباتي الذي يتم من خلاله توفير 4 منتجات متفرعة هي الفحم العادي والفحم في شكل قوالب مصغرة والفحم المسحوق والفحم النشيط.
وتنتج زينب هذه المنتجات حاليًّا عن طريق آلة لصنع السيراميك في شكل فرن يدوي من خلال تثمين النفايات النباتية المتأتية من أغصان الأشجار المقلمة مثل الزيتون والنخيل والمشمش واللوز ونوى التمر.
فيما أسس كل من علي سقا وهشام منصر رابطة تجمع المهندسين المستعدين لإصلاح الحواسيب القديمة وإعطائها للأطفال، وبدأ المشروع على نطاق ضيق حيث لم يكن لديهم أي أموال أو منح، ثم تحول تدريجيًا إلى مشروع اجتماعي.
ويسعى المؤسسون الذين يصلحون حاليًّا نحو 30 حاسوبًا شهريًا إلى بناء نموذج عمل مستدام من خلال إضافة حصص البرمجة للأطفال إلى خدماتهم الأساسية، وقد تمكنت هذه الشركة الناشئة من الحصول على رعاية مالية بقيمة 12 ألف دولار أمريكي من المعهد الفرنسي في تونس لمدة 18 شهرًا.
________________________________