لماذا تستمر الجزائر برفض قروض النقد الدولي؟

مع تخلي البلدان في جميع أنحاء إفريقيا عن المحظورات التي طال أمد التمسك بها، بحثاً عن المساعدة من صندوق النقد الدولي، باتت الجزائر معقلاً نادراً. ومع ذلك، فإنها قد تحتاج إلى انتعاش سريع في أسعار النفط أو دعم صيني للبقاء على هذا النحو، كما تقول وكالة Bloomberg  الأمريكية.

الجزائر ما تزال تقاوم إغراءات الصندوق

في قارة لطالما أورثت فيها التجارب المتقلبة مع صندوق النقد الدولي أو الكراهية للتدخل الأجنبي خوفاً تجاه المقرِض، فإن الخراب الاقتصادي الذي أحدثته جائحة كورونا أخذ يوعز ببعض التحولات المفاجئة.

الدولتان الأكثر اكتظاظاً بالسكان في القارة، نيجيريا وإثيوبيا، تقبلان الآن مساعدة صندوق النقد الدولي، وحتى جنوب إفريقيا، التي لطالما بشر فيها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم بالاعتماد على الذات منذ سقوط نظام الفصل العنصري، هي أيضاً تتفاوض على قرض بقيمة 4.2 مليار دولار.

وكل ذلك يجعل من الجزائر، التي هي دولة متوسطية غنية بالطاقة وسبق أن عانت في تجربة لها مع صندوق النقد الدولي خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، تصبح أحد أبرز المعاقل الأخيرة لمقاومة قروض الصندوق.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون استبعد مؤخراً فكرة اللجوء إلى الوكالة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، قائلاً إن ذلك يمسّ السيادة الوطنية للدولة العضوة حالياً في منظمة أوبك والمستعمَرة الفرنسية السابقة.

الصندوق تحول “رمزاً للأزمة

تقول داليا غانم، الباحثة المقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: “صندوق النقد الدولي هو رمز أزمة الثمانينيات والتسعينيات وهي ذكرى مؤلمة لكثير من الجزائريين”. ومع ذلك، وإن كانت احتياطيات الجزائر تتيح لها نحو عامين آخرين من التنفس، فإن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي بعد ذلك سيكون قد ساء، وسيكون الانفجار أمراً مرجحاً”.

لا يشكك كثيرون في أن بعض الخطوات الجريئة مطلوبة. إذ مع انهيار النفط والاضطراب الاقتصادي المرتبط بجائحة كورونا، قد يواجه سكان البلاد البالغ عددهم 44 مليون نسمة عاصفة اقتصادية شديدة الوطأة. ويتوقع البنك المركزي أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.6% في عام 2020، قبل أن يبدأ في التعافي.

جاءت توقعات صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان لتشي بآفاق باهتة، متكهنةً عجزاً في الميزانية بنسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي، مع عجز في الحساب الجاري أسوأ مع عجز لبنان الممتنعة بالفعل عن سداد ديونها الدولية.

ومع ذلك، فإن المؤكد أن الجزائر ليست في ذلك الوضع الصعب الذي كانت عليه أواخر الثمانينيات، عندما دفعتها أزمة ديون إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من أن الاحتياطيات الأجنبية في أدنى مستوياتها منذ أكثر من 14 عاماً، فإن البنك المركزي لا يزال لديه احتياطيات معتبرة والبلد ليس لديه ديون دولية تقريباً.

الرئيس الجزائري تبون، الذي عمل لفترة طويلة في أروقة الحكومة ويعرف دواخلها، يقول إن الجزائر تمر بأزمة “مؤقتة”. وقد صرح للصحافيين في أبريل/نيسان، بأن الأزمة “ليست كارثية”، متوقعاً تعافي أسعار النفط. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، تحتاج الجزائر لأن يصل سعر برميل الخام إلى 167 دولاراً لموازنة ميزانيتها.

تمويل لمواجهة تداعيات جائحة كورونا

زارت بعثة صندوق النقد الدولي الجزائر لآخر مرة في عام 2018، وإن كانت البلاد تحتفظ باتصالات منتظمة مع الصندوق. ومن المحتمل أن يقدم الصندوق دعماً لميزان المدفوعات إذا عصفت صدمة كبرى بالميزان التجاري الخارجي أو عانى الاقتصاد تعثراً في التعافي بالسرعة الكافية.

يقول تشارلز روبرتسون، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة “رينيسانس كابيتال”: “توصيات صندوق النقد المعتادة لخفض الدعم أو السماح بمرونة أكبر في العملة لن تتبناها الجزائر بسهولة، ومع ذلك فإن جائحة كورونا شهدت جنوح صندوق النقد إلى أن يكون أكثر مرونة”.

شد الأحزمة

هناك خيارات أخرى يمكن أن تجني الحكومة من ورائها مليارات من العملة الصعبة. فقد خفضت الحكومة النفقات التشغيلية لمشروعات الطاقة التي تديرها الدولة إلى النصف، وأعلنت إصلاحات ضريبية وتشديد الضوابط على تدفقات العملات الأجنبية.

وقال تبون إنه منفتح على الاقتراض من البلدان “الصديقة”، في هيئة مساعدات أو لتمويل مشاريع مشتركة في قطاعات مثل التعدين وتطوير البنية التحتية والزراعة.

البحث عن مساعدة صينية

ثارت تكهنات بأن الجزائر تتجه إلى دعم يأتي من الصين، وهي بالفعل أكبر مُصدر للواردات الجزائرية، ولديها استثمارات كبيرة في الطاقة. وحث رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد المواطنين مؤخراً على تعلم اللغة الصينية لإعداد أنفسهم للمستقبل.

وفي بلد تحكمه نخبة تميل إلى السرية وتسيطر عليها المخاوف بشأن سيادة البلاد، فإن الدعم من بلد “لم تحتل الجزائر وبشروط أقل ولن تناقش كيفية تعامل السلطات مع الاحتجاجات أو مدى سرعة تنفيذ الإصلاحات” أمرٌ له مزايا واضحة، بحسب ريكاردو فابياني، مدير برنامج شمال إفريقيا في “مجموعة الأزمات الدولية”.

________________________________

(*) نقلاً عن موقع عربي بوست. الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي فورمينا

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق