خمسة عوامل تحدد متى يدعم الجيش مطالب الديمقراطية

دائمًا ما تسترعي دول القارة الأفريقية اهتمام الباحثين في شؤون عمليات التحول الديمقراطي، نظرًا لما تشهده القارة من معدل كبير نسبيًا من انقلابات عسكرية وتدخل الجيوش في شؤون الحكم مقارنة بغيرها من القارات.

وسلط مقال نشرته مؤسسة «راند» الأمريكية للأبحاث الضوء على فقدان الحكام المستبدين في أفريقيا لسلطاتهم على مدار السنوات الأربع الأخيرة، مشيرًا إلى خمس عوامل تحدد دور الجيش في الانتقال السلمي للسلطة.

كتب المقال كل من ناثانيل ألين، الأستاذ المساعد بدرسات الأمن في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني، وألكسندر نويز، الخبير في مجال العلوم السياسية بمؤسسة «راند » .

يُذكر أن «راند» هي مؤسسة بحثية غير ربحية، تساعد على تحسين السياسات وعملية اتخاذ القرار من خلال البحث والتحليل، وتمولها جزئيًا الحكومة الأمريكية، بجانب مؤسسات أخرى خاصة وعامة.

استهل الكاتبان مقالهما بالقول: «في جميع أنحاء أفريقيا، يفقد الطغاة قبضتهم على السلطة بعدما ظلوا مسيطرين عليها لفترات طويلة. وفي أبريل )نيسان) 2019 وحده، أُجبِر الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على التنحي. وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، شهد 26 بلدًا أفريقيًا نقلًا للسلطة، في معدل تحول سريع للسلطة السياسية لم يُر منذ التسعينات. « .

وتابع المقال: «أن نهاية أحد الطغاة لا تعني بالضرورة منع ظهور طاغية جديد. وفي العديد من الدول الأفريقية، ترتكز الديمقراطية على أسس متزعزعة، حيث تراجعت أسس احترام الحريات المدنية والسياسية في إفريقيا لسنوات، كما تراجعت نسبة الأفارقة الذين يعيشون تحت حكم ديمقراطي. فيما يواصل الحكام المستبدون تزوير الانتخابات وقمع المعارضين السياسيين وشن الانقلابات » .

وطرح الكاتبان سؤالًا: ما الذي يصنع الفارق بين التحول الديمقراطي للسلطة الناجح وغيره؟ الإجابة هي: حيثما كان ولاء الجيش؛ فعندما دعمت قوات الأمن الحزب السياسي لأحد الطغاة على حساب المعارضة، كما حدث في توجو وزمبابوي، ظل النظام القديم في السلطة من خلال انقلاب أو انتخابات مزيفة. ولكن عندما أطاحت قوات الأمن رأس السلطة، كما حدث في السودان والجزائر، أو وقفت على الحياد، كما حدث في إثيوبيا وأنجولا، كانت هناك فرص لنقل النظام السياسي من خلال انتخابات حرة وسلمية ونزيهة حقيقية.

وأشار المقال إلى بحث أُجري مؤخرًا حول ولاء الجيوش، وأظهر أنه سواء دعمت قوات الأمن المعارضة أو وقفت بجانب السلطة القائمة فهذا ليس بالأمر العشوائي؛ فهناك خمسة عوامل توضح متى سيقدم الجيش الدعم في النقل الديمقراطي للسلطة، ومتى سيعمل على إفشال هذه العملية.

1. الاحتجاجات الحاشدة والشاملة والسلمية

يقول الكاتبان في مقالهما إن «أحد أسباب التحول الذي حدث مؤخرًا في القيادة الأفريقية هو العدد غير المسبوق من الاحتجاجات الحاشدة السلمية. وعادة ما تعتبر الجيوش دورها هو الدفاع عن البلاد وغالبًا ما تتردد في ممارسة العنف ضد المحتجين السلميين. وبالتالي، كلما توحد المحتجون عبر خلفيات دينية أو عرقية أو اقتصادية بشكل أكبر، زادت صعوبة قمع قوات الأمن لهذه الاحتجاجات أو استغلالها».

وأضاف المقال أن «الجيوش التي تعين الرتب الأدنى لضباطها من الفئات الاجتماعية والاقتصادية المهمَّشة أو أولئك الذين يمثلون شرائح المجتمع على نطاق واسع تجد أنه من الصعوبة على وجه الخصوص وقف الاحتجاجات الكبيرة، كما حدث مع سقوط الطغاة في السودان وإثيوبيا والجزائر ».

2. تعيين وترقية القيادات العسكرية على أساس الكفاءة

ولاحظ الكاتبان أنه «بعد الحروب الأهلية، تعمل العديد من الدول الأفريقية على إدماج جيوشها عبر الوحدات التي حاربت على جهات مختلفة وتمثل مناطق مختلفة. ويُظهر أحد الأبحاث أن هذا الإجراء يحسن فرص السلام الدائم بشكل ملموس، كما حدث في جنوب أفريقيا  » .

وتابع المقال أنه «على نطاق أوسع، إذا عينت القيادات المدنية والعسكرية ضباطها وقامت بترقيتهم على أساس الكفاءة والأهلية بدلًا من مقياس الولاءات العرقية أو الولاءات الأخرى، فمن المرجح بشدة دعم ذلك الجيش لنقل السلطة الديمقراطي، أو عدم معارضته لها على الأقل . »

وأضاف المقال أنه « ربما يمنح الطغاة الأفارقة الذين يشكلون جيوشهم على أساس ديني أو عرقي أو قِبَلي قواتهم مِنحًا ومزايا خاصة لمقاومة العملية الديمقراطية، لكنهم في هذه الحالة يفقدون فعاليتهم العسكرية أو يواجهون خطر الانقلابات أو عمليات التمرد من جانب المجموعات المستبعدة » .

3. تلبية الاحتياجات المؤسسية للجيش

أشار الكاتبان إلى أن « قوات الأمن تميل إلى تقييم مصالحها المؤسسية –أي ميزانياتها ورواتبها ومعداتها وفرص التدريب الخاص بها– قبل أي شيء. وفي بعض البلدان، مثل السنغال وتونس، يستهلك الجيش قليلًا من الموارد ويتمتع بمشاركة ضئيلة في السياسات الوطنية وينافس قوات الأمن الموازية القوية مثل الشرطة أو الحرس الرئاسي».

ولفت المقال إلى انخفاض احتمالية استخدام الطغاة لمثل هذه الجيوش ضد شعوبهم، كما تقل احتمالية تدخلها الجيوش بعد التسوية الديمقراطية، إذ كان الجنود في تونس يخضعون لإشراف جهاز شرطة قوي، ويُحظَرون من المشاركة السياسية ونادرًا ما كانوا يتدخلون لإخماد الاحتجاجات الشعبية. ونتيجة لذلك، لم يدعم الجيش استمرار الحكم الاستبدادي أثناء أحداث الربيع العربي في عام 2011 كما ساعد في بناء الديمقراطية الناشئة في تونس.

ويستدرك الكاتبان بقولهما «لكن في بلدان أخرى، كانت قوات الأمن جهات سياسية فاعلة مسيطرة؛ كما في زيمبابوي ومصر، حيث تُدمَج قوات الأمن بقوة في الأحزاب السياسية الرئيسية، للاستفادة من النظام. وفي مثل هذه الحالات، يمكنها الاعتراض الفعلي على أي تغيير حكومي. وفي زمبابوي، على سبيل المثال، عارض تحالف الحزب الحاكم الوثيق مع الجيش الإصلاحيين داخل النظام وخارجه الذين يريدون الحد من فساد الجيش وسيطرته الاقتصادية ونفوذه السياسي. وفي عام 2017، حمى الجيش مصالحه من خلال خلعه روبرت موغابي الذي قضى 37 عامًا رئيسًا للبلاد. وعندما ترتبط الجيوش ارتباطًا وثيقًا بمن هم في السلطة، فمن المرجح أن يأتي التغيير الديمقراطي على نحو بطيء ويتطلب نوعًا ما من الاتفاق ومنح النظام السابق امتيازات».

4. التفاهم المتبادل بين قيادات الجيش والمعارضة

لفت الكاتبان إلى أنه «بينما تُعارض قوات الأمن الديمقراطية، تستطيع القيادات السياسية التي تتمتع بعلاقات شخصية وطيدة مع قيادات عسكرية استخدام مبدأ الترغيب والترهيب والضمانات والامتيازات لإقناع الجيش باحترام إرادة الشعب. وانظر إلى رئيس الوزراء الإصلاحي في إثيوبيا، آبي أحمد، العقيد بالجيش وضابط الاستخبارات سابقًا: فقد مكّنت خبرته نظامه من بدء وقف العمل بالقانون العسكري وإطلاق سراح السجناء السياسيين وبدء الحد من العنف عبر الحدود والعرقي».

واستدرك المقال «لكن من الأهمية بمكان أن تفهم مجموعات المعارضة المدنية كيف تتعامل مع قوات الأمن في بلادها؛ فقد ساعدت مجموعات المعارضة في السودان في إنهاء حكم البشير جزئيًا من خلال المناشدة المباشرة لقوات الأمن عبر تجنب العنف والبقاء متوحدين وعقد الاعتصامات أمام المقار العسكرية».

5. المساعدات الخارجية (لكنها ليست مفيدة دائمًا)

أوضح الكاتبان أن «الغرض الأساسي من جهود الولايات المتحدة الرامية إلى دعم الجيوش الأفريقية كان تقديم التدريب والمعدات، إلا أن تلك الجهود لم تكن فعالة على وجه الخصوص سواء في تقليل الإرهاب أو تعزيز الاستقرار السياسي».

ويشير بحث أُجري مؤخرًا إلى أن « التركيز على بناء مؤسسات دفاعية خاضعة للمساءلة وتحسين المراقبة المالية وترسيخ معايير حقوق الإنسان يبشر بمزيد من الخير. وترتبط الجهود من هذا القبيل بمستويات أدنى من العنف السياسي والقمع الحكومي. وقد تساعد في التأكيد على أن الجيوش لن تُستَخدَم في قمع الاحتجاج المعارض والديمقراطي، على عكس ما حدث في رواندا وزمبابوي، حيث تُستخدَم قوات الأمن بصورة روتينية في ارتكاب العنف ضد المعارضين السياسيين».

اختتم الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى تاريخ قوات الأمن الإفريقية الطويل والمعقد، « فغالبًا ما تتصدر هذه القوات العناوين الرئيسية عندما ترتكب إبادات جماعية أو تتصدى للمحتجين أو تستولي على السلطة من خلال الانقلابات. ولكن يمكن أن تساهم القوات الأفريقية أيضًا في الديمقراطية والسلام عندما تلقي أسلحتها وترفض الأوامر الرامية إلى تصويب بنادقها نحو صدور الشعب».

________________________________

(*) نقلاً عن موقع ساسة بوست. الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي فورمينا

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق