تحديات غير مسبوقة ومواجهة حتمية مع الإرهاب

رأي (*)… إختبارات حقيقية تمر بها أجهزة الأمن الأوروبية في التعامل مع الواقع الأمني الجديد على الساحة الأوروبية. بعض هذه الاجهزة تظهر تخبطاً واضحاً في التعامل مع بعض التفاصيل الأمنية الأمر الذي يعيد الى السطح أزمة التنسيق الأمني بين الاجهزة الأمنية وفروعها المتعددة سواء على الصعيد الداخلي في بعض الدول أو حتى على الصعيد الأوروبي. القارة العجوز التي استطاعت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية انتاج مجتمعات مدنية بعيدة كل البعد عن العنف تتعرض اليوم لأخطر موجة ضاربة للسلم الاهلي وتفاصيل الحياة المدنية للمجتمعات الاوروبية. فأوروبا تحتاج اليوم الى استيعاب الخطر القادم من وصول المواجهة مع التطرف والارهاب الى مرحلة الدعوة المفتوحة للتحرك والتي عبّر عنها داعش بأسلوب غير مسبوق، يتم من خلاله توظيف كافة الحالات لخدمة التنظيم من تفعيل الخلايا النائمة الى استثمار نماذج الفشل المجتمعي في أوروبا وحتى الإحباط الاقتصادي والسياسي لدى البعض.

المرحلة التي يمر بها العالم اليوم هي مرحلة يمكن تسميتها بأنها مرحلة “المتداخلات المعقدة” فأزمات الشرق الاوسط لم تعد حكراً على الشرق الاوسط، والارهاب وعناصره يتحركون اليوم بأسلوب “الهجرة المعاكسة” مهاجرون من أوروبا الى الشرق الاوسط، الأمر الذي بدأت تظهر ملامحه وآثاره على مفاهيم الإرهاب وتطور تقنياتها وشكلها وحتى طبيعة عملها. اللغة العربية لم تعد اللغة الحصرية للإرهابيين الذي يتحدثون لغات متعددة بطلاقة مثل الفرنسية والانجليزية، وكذلك يحملون جوازات سفر غربية تسمح لهم بالتنقل دون رقيب أو حسيب، عداك عن كسر الصورة النمطية للإرهابي الراسخة في ذهن العالم. لهذا من الصعب اليوم الحديث عن اجراءات وقائية تقليدية قادرة على الحد من حركة الاشخاص خصوصاً ان تشديد اجراءات الحصول على تأشيرة سفر يحد فقط من حركة التنقل القانوني ولا يحد من حرية حركة الارهاب نفسه. فالخطر الأمني الذي تواجهه منطقة الشرق الأوسط ينتقل بوضوح الى الدول الأوروبية ولكن في معظم الحالات عبر أدوات داخلية تربّت وترعرعت في المجتمعات الأوروبية الأمر الذي يلقي الضوء مجدداً على خطورة سياسات انكار هذه الأخطار التي تبنتها كثير من الدول الاوروبية، وأههمها اعطاء مساحات واسعة لزارعي الفتن والكراهية للتحرك ونشر ثقافة التطرف والإرهاب برعاية رسمية من باب الحفاظ على حرية التعبير.

صياغة أي استراتيجية لمكافحة الارهاب والتعاون الإستخباري لابد ان تأخذ بعين الاعتبار أن بوصلة الأزمات تشير الى ضرورة الانطلاق من قاعدة أساسية تُبنى أساساتها على قاعدة انهاء الصراع في كافة أماكن “التخصيب الارهابي” وبالأخص سوريا. من جهة أخرى لابد أن يتم الوصول الى القناعة الحاسمة بضرورة إنهاء حالة الإستثمار السياسي والمالي للأزمات في المنطقة والاستعداد لتحديات المرحلة القادمة والتي تتجاوز التهديدات الإرهابية التقليدية الى مرحلة المواجهة مع المافيات والعصابات التي تشكلت وتنشط في المنطقة وباتت تملك شبكات تخترق المنظومات الأمنية لكثير من الدول وتعمل في كافة قطاعات الجريمة ( تهريب السلاح، المخدرات، غسيل الاموال، تهريب النفط والبشر وحتى الاعضاء البشرية). على صعيد آخر، تشيرمعظم التقارير الأمنية الى حجم العلاقة والارتباط  بين هذه العصابات الناشطة دولياً والمجموعات الارهابية العاملة في سوريا والعراق. هذا الواقع الجديد يضع كافة الدول أمام تحديات أمنية جديدة ويمتحن فعلياً قدرة الأجهزة الأمنية على التكيف مع التغييرات و التعامل مع أنواع جديدة من الجريمة المعقدة و التي قد تشكل صدمات حقيقية لاجهزة الامن التقليدية. باختصار، مناخات التغيير الحالية تفرض واقعاً جديداً يضع الجميع امام امتحان التكيف مع التغييرات والاستعداد للهزات الارتدادية الناتجة عنها.

* بقلم الكاتب د. عامر السبايلة ، لشبكة الس إن إن العربية ، والآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي فورمينا.

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق