النضال الكردي في تركيا إردوغان

احتفلت بعض شعوب المنطقة في 21 من شهر آذار المنصرم بعيد النوروز، الذي يعدّ بالنسبة للشعب الإيراني والأفغاني والآذري وغيره يوم الاعتدال الربيعي، أي بداية فصل الربيع والسنة الجديدة. أما بالنسبة للكرد، فللنوروز حكاية بنكهة الثورة. تقول الأسطورة الكردية إن رجلاً يدعى كاوا الحداد قاد ثورةً عظيمة ضد الملك الطاغية سرجون، قضت على حكمه الظالم، فأطلق الشعب الكردي على ذلك اليوم إسم النوروز، أو اليوم الجديد. ولا تزال طقوس النوروز لدى الكرد تذكّر بتلك الثورة، حيث يتم إشعال النار في قمم الجبال، تماماً كما فعل كاوا الحداد.

أما اليوم، فيرى الكرد في عيد النوروز مناسبةً لتجديد روح الثورة، اذ لا يقتصر الاحتفال على الأهازيج والأغاني والدبكة الكردية، بل يعتبر النوروز منبراً سياسياً وحزبياً كذلك، خاصةً في تركيا، حيث يقام أكبر احتفال للعيد في مدينة آمِد (ديار بكر) في شرقي البلاد. وخلال الاحتفال الجماهيري في آمِد هذا العام، ألقيت رسالة من القائد الكردي عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، جدد من خلالها دعوته التي أطلقها قبل عامين في نفس الاحتفال، إلى إنهاء الصراع المسلح الذي يخوضه مقاتلو الحزب مع القوات الحكومية التركية.

ولفت أوجلان في رسالته إلى أن نضال حركته على مدى أربعين عاماً غير قابل للاستمرار على نفس النهج، معتبراً أن التاريخ والشعب الكردي بحاجة إلى السلام وإلى حل ديمقراطي يتناسب وروح العصر. وأضاف أوجلان، المعروف بأپّو: “أرى أن هناك ضرورة تاريخية لعقد مؤتمر يفضي إلى اتفاق وفق مبادئ مشروع الحل، لإنهاء الكفاح المسلح الذي خاضه حزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية خلال أربعين عاماً، ولتحديد التكتيك والاستراتيجية المتوافقة مع جوهر وروح المرحلة الجديدة”. كما أشار أوجلان إلى أنه وفق ذلك المؤتمر يستهل الكرد مرحلة جديدة في تركيا قائمة على الحرية والمساواة في المواطنة داخل المجتمع الديمقراطي، والعيش بسلام وأخوة من خلال الهوية الديمقراطية. كما حيّا أپّو المقاومة الكردية والانتصار الكردي في كوباني ضد تنظيم داعش، معتبراً أن لذلك النصر أهمية كبرى على صعيد المنطقة والعالم.

 أوجلان معتقل لدى السلطات التركية منذ عام ١٩٩٩ ويقضي حكما بالسجن المؤبد في جزيرة أميرالي جنوب اسطنبول. وقد تأسس حزب العمال الكردستاني في عام ١٩٧٨ كحركة انفصالية تحررية مسلحة عقب سنوات من الاضطهاد عاشها الكرد في تركيا، حيث خاض الحزب منذ ثمانينات القرن الماضي جولات طويلة من الصراع الدموي مع القوات الحكومية التركية أودت بحياة ما يزيد على 40 ألف شخص.

 بدأ أپو محادثات للسلام مع الحكومة التركية في أواخر عام ٢٠١٢، في مسعى لإيجاد حل للصراع المسلح بين الطرفين. وبعد أسابيع قليلة، تمخض عن المحادثات اتفاق لوقف إطلاق النار، بدأ بموجبه الكردستاني بسحب مقاتليه تدريجياً من عمق الأراضي التركية نحو معسكراته في كردستان شمال العراق، ليعود ويعلن عن وقف الانسحاب في أيلول من عام 2013، مؤكداً التزامه بقرار وقف إطلاق النار وكذلك الدفاع عن النفس. وقد عزا الكردستاني ذلك إلى عدم اتخاذ الحكومة التركية أية خطوات عملية للدفع بعملية السلام أو وضع خارطة طريق واضحة، كما اتهمها بالتباطؤ.

إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار شابته عدة خروقات أيضاً، كان آخرها إعلان القوات التركية في ٢٥ من آذار الماضي شن حملة عسكرية واسعة في جنوب شرق البلاد بهدف القضاء على مخازن ومخابئ مقاتلي الكردستاني. ويتهم الأخير الحكومة التركية بمساندة تنظيم داعش في حصار بلدة كوباني (عين العرب) الكردية على الحدود مع سوريا العام الماضي. كما يسود الاعتقاد في الأوساط الكردية أن تركيا تمد التنظيم بالمساعدة اللوجستية والمالية، أو أنها تسهل، على أقل تقدير، عبور المقاتلين المتشددين عبر أراضيها وانضمامهم لتنظيم داعش.

ويطالب الكرد بإطلاق سراح أوجلان وبالعفو عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني كما يطالبون باتخاذ خطوات عملية نحو الاستقلال السياسي بمناطقهم في شرق تركيا وبتعديل القوانين الأمنية التي تسمح باعتقال مناصري الحزب. ويطالبون أيضاً بالسماح بتعليم اللغة الكردية في المدارس والجامعات.

ويتصاعد التوتر في تركيا قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر حزيران المقبل، إذ يرى العديد من الكرد أن الحكومة التركية ليست جادة في التوصل إلى اتفاق معهم، ويعتبرون أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعمل على اجتذاب أصوات القوميين الأتراك الذين يعارضون عملية السلام. ويتهم الطرفان أردوغان باستخدام  المحادثات لأغراض انتخابية وحسب. ويسعى أردوغان إلى حصد الأكثرية في الانتخابات النيابية المقبلة من أجل المضي قدماً في إجراء تعديل دستوري يمنحه صلاحيات تنفيذية كرئيس للجمهورية. وبين استمرار محادثات السلام واتخاذ خطوات إيجابية في ذلك الاتجاه لكسب الأصوات الكردية أو الإعلان عن فشلها لكسب الأصوات القومية المناهضة للكرد، يراوح أردوغان مكانه دون اتخاذ أي خطوات فعلية على أرض الواقع.

وما يزيد الأمور تعقيداً هو مصادقة البرلمان التركي في 27 من الشهر الماضي على قانون أمني جديد، رفضته المعارضة والكرد بالمطلق، يمنح صلاحيات واسعة للشرطة. ويقول معارضو أردوغان إن الهدف من القانون هو قمع أي تظاهرات قد تخرج قبيل الانتخابات النيابية. القانون الجديد يتيح للشرطة استخدام الأسلحة النارية ضد المتظاهرين كما يسمح لها باعتقال المتظاهرين المقنّعين لسنوات. ويرى صلاح الدين ديمرطاش، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ورئيس حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، أن القانون الجديد يستهدف الكرد تحديداً، محذراً من انهيار عملية السلام جراء هذا القانون. وكان آلاف الكرد خرجوا العام الماضي في تظاهرات حاشدة طالت مختلف المناطق التركية للمطالبة بفتح الحدود والسماح لهم بالقتال في كوباني، جوبهت بقمع شديد من قبل الشرطة التركية وأدت إلى مقتل ما يزيد على 50 متظاهراً.

ويعيش في تركيا حوالي ١٦ مليون كردي، أي ما نسبته حوالي ٢٠٪ من عدد السكان الإجمالي، يقطن معظمهم في الجانب الشرقي الجنوبي من البلاد، التي يعتبرونها جزءً من كردستان التاريخية. وترفض تركيا حتى اليوم إعطاء الكرد حقهم في تأسيس منطقة ذات حكم ذاتي على غرار إقليم كردستان في شمال العراق وتعتبره تهديداً لها، على الرغم من إعلان حزب العمال الكردستاني وأحزاب ومنظمات كردية أخرى تخليها عن النضال من أجل جمهورية كردية مستقلة مقابل الحصول على الحقوق المتساوية ضمن إطار الجمهورية التركية.

فرح رويساتي

محررة ومترجمة وكاتبة مستقلة مقيمة بين لبنان وتركيا. حائزة على شهادة بكالوريوس في مجال التواصل من كلية الإعلام والتوثيق، الجامعة اللبنانية في بيروت

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق