الجيل الثاني من المسلمين البريطانيين: تفسير “التطرف”

قدّم طوني بلير جواباً عقيماً بعد أحداث جريمة قتل لي رغبي عام ٢٠١٣ بأن “ليس هناك مشكلة مع الإسلام .. المشكلة تكمن في داخل الإسلام نفسه”. في حين أن بلير مازال -ولأسباب واضحة- يعرض التطرف كحالة متأصّلة في الاعتقاد الإسلامي، فهو ليس متعصباً بقدرٍ كافٍ للمساواة بين الإسلام والإرهاب جملة وتفصيلاً. فمع انتشار الأنباء حول سفر ثلاثة مراهقات بريطانيات للانضمام لتنظيم “الدولة الإسلامية” عاد موضوع تطرف الجيل الثاني من المسلمين لتصدّر الصفحات الأولى.

ومع ذلك، فإن صورة بلير الديناميكية، والناجمة عن الأيديولوجية فقط، ليست سوى أسطورة. فكما فهمها الفلاسفة المسلمون وعلماء الأديان على عمر العصور، فإن الهوية الدينية، كغيرها، ليست ثابتة وإنما تتطور عبر مرورها بظروف جدلية ذات طابع تاريخي ديني. بعبارة أخرى، فإنه ليس هناك “شيئاً” يطلق عليه “الإسلام” يمكن استخراجه من سياقه ومهاجمته والدفاع عنه أو حتى تحليله بديهياً.

فبالنسبة لشخص عادي، فإن ظهور شكل معين لأي دين ليس محصوراً أو مدفوعاً بشكل أساسي بعوامل داخلية لذلك الدين. فبالرغم من محاولات الإسلاميين المتطرفين أو حتى المعادين للإسلام إقناعنا بعكس ذلك، لا يمكن فهم ظاهرة “تطرف” الجيل الثاني من المسلمين في أوروبا باقتباس بعض الآيات القرآنية المنتقاة خارج سياقها.

في مقابل ذلك: يجب علينا أن ننظر إلى المجتمع ككل ونتسائل عن اختلاف موقف “الجيل الثاني” من المسلمين (أي شخص ولد في بلد “مستضيف” بغض النظر عن الخلفية الأصلية) مقارنةً بموقف “الجيل الأول”. بالإضافة لذلك، فإن قوة أي هوية بعينها مرتبطة بضعف هويات أخرى. بالتالي، فإن نهوض الإسلام المتعصّب لا بد وأن يتم تفسيره في إطار تراجع الهويات الأخرى، وخاصةً تلك التي تعتمد على الطبقية، والتي استقطبت مسلمين مسيسين في بريطانيا من قبل.

الجيل الأول: الديمقراطية الاجتماعية والتسوية الطبقية

جاءت أول هجرة مسلمة ضخمة للمسلمين لبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية عندما كانت هناك حاجة لعمالة رخيصة لإعادة بناء مدن وصناعات الدول الاستعمارية الكبرى. لم يكن هؤلاء العمال الذين تم توظيفهم باستمرار لشغل وظائف لم يكن يقبل بها العمال البريطانيون “مهاجرين” بمعنى الكلمة، وإنما كيانات تنتقل من جزء إلى آخر في هذه الامبراطورية.

فقد كانت الدولة التي وصلوا إليها آنذاك مختلفة كلياً عمّا هي عليه اليوم. فمع عمليات إعادة البناء التي تبعت الحرب والتي جاءت بعد مبادئ كينسيان المتعلقة بالاستثمار العام الضخم والعمالة الكاملة تزامناً مع التزام حكومة أتلي ببناء دولة رعاية شاملة، كانت بريطانيا قد شرعت بالعملية التاريخية المعروفة ب”التسوية الطبقية” الطويلة الأجل. دامت هذه العملية، والتي تم خلالها التخفيف من تأثيرات الرأسمالية من خلال ديمقراطية اجتماعية متينة، من الحرب العالمية الثانية حتى نهوض التاتشرية. وفي هذا الصدد، نشر صندوق النقد الدولي أرقاماً توضّح أن النتيجة كانت عقوداً عديدة شهدت أدنى مستويات عدم المساواة في العصر الصناعي.

لكن ما جعل من الممكن للطبقة العاملة التي ظهرت بعد الحرب أن تحقق مكاسباً كان تعبئة وقوة الطبقة العاملة نفسها. فبالرغم من أن العلاقة بين البريطانيين البيض والعمال المهاجرين لم تكن تخلو من المشاكل (لم تكن العنصرية مقتصرة على اليمين المتطرف فقط)، لم ينضم العمال المسلمون بكثرة لحركات سياسية قائمة على الطبقية وحسب، بل كانوا من بين الأعضاء الأكثر التزاماً.

فبينما خاض المسلمون وغيرهم من المهاجرين صراعات عنصرية متزامنة، شهدت هذه الفترة تصنيفهم على أساس طبقي بشكل كبير. تقول البروفيسور فرزانا شين من جامعة كيل بهذا الخصوص:

“في السنوات الأولى التي تلت الحرب، تخلّى المسلمون الآسيويون والهندوس والسيخ عن الروابط الدينية والثقافية والعرقية بشكل كبير بينما عملوا مع بعضهم البعض وجنباً إلى جنب مع العمال البيض والسود لمحاربة تأثير العزل الاجتماعي وظروف السكن المترديّة بالإضافة للعنصرية وعدم المساواة الاقتصادية الذي كان آخذاً في النمو في ذلك الوقت. وقد عرّفت الدولة هؤلاء المهاجرين الأوائل في المقام الأوّل بأنهم عمّال، الأمر الذي كان عاملاً أساسياً لتمكين بناء التحالفات بينهم وبين نقابات العمال و العمال البريطانيين البيض. وتكونت التحالفات على أساس علماني تم اعتبار الدين فيها كأمر فردي وخاص يأتى بعد النضال العام ضد قوى الرأس المالية.”

وكما هي حال الحركات العمّالية ككل، فقد تم تسهيل عملية تعبئة المهاجرين على أساس طبقي من خلال العديد من المؤسسات والمنظمات الشعبية القوية. وشمل ذلك نقابات مستقلة وأحزاب من المهاجرين من داخل نقابات ذات غالبية من العمال البيض بالإضافة إلى جماعات محلية كاتحاد العمال الهنود. تكوّن هذا الحزب عام ١٩٣٨ في كوفنتري وقام بحملات شملت مدًى واسعاً من المشاكل الاجتماعية والسياسية وانتشر في أنحاء إنجلترا وضم عدداً كبيراً من العمال الباكستانيين البنغاليين الذين كانت أغلبيتهم الساحقة من المسلمين بعد تقسيم الهند عام ١٩٤٧.

هذا وشهدت ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ظهور حركات شباب راديكالية وسط المسلمين المدنيين وغيرهم من المهاجرين. أشارت هذه الجماعات، والتي كانت تستمد إلهامها من حزب الفهود السود أحياناً، إلى تبعيتها العرقية والعنصرية للرأس مالية كنظام عام يقوم على الاضطهاد والاستغلال. مع ذلك، لم تتمكن هذه الجماعات من فهم أن صراعات طبقات العمال من المهاجرين والبريطانيين تعتمد على بعضها البعض بالرغم من مواجهة هذه الجماعات تمييزاً واسع الانتشار من جهة حركات ونقابات العمال البيض على حد كبير. أدى ذلك إلى درجة عالية من التضامن الطبقي لا سيّما وقوف رجال ونساء من المسلمين وغيرهم من المهاجرين في الصفوف الأولى أثناء الإضرابات عن العمل وحالات احتلال المباني كنوع من الاعتصام.

وفي موضوع التحالفات مختلفة الأعراق المبنية على أساس طبقي، علّق جاك وجراهام تايلور على الإضراب المشهور في مصنع جرنويك لمعالجة الأفلام في ويلزدن شمالي لندن عام ١٩٧٦-١٩٧٨. وجاء التعليق بالتزامن مع الدعم القوي الذي أبدته الحركات الشبابية الراديكالية لإضرابات عمال المناجم في الثمانينيات،

“إن قدوم الآلاف من أعضاء نقابات العمال ]البيض[ من جميع أنحاء بريطانيا والذي جاء للتأكيد بأن المشاركين في الإضراب ]الذي شكّل الآسيويين نسبة ٩٠٪ منه غالبيتهم من المسلمين[ ليسوا وحدهم وبأن هناك قسم يساري علماني فاعل قام بالرد بالإحساس الطبقي لصراع جميع العمال سواء ذكر أو أنثى، عامل يدوي أو في مكتب، أسود أو أبيض، قائم جنباً إلى جنب مع القسم اليميني في الحركات العمالية.”

وفي ظل المضمون الداخلي هذا، كان الموقف الدولي مساعداً على على للصراعات الطبقية المتحدة. وفي تناقض كبير مع ما يحصل اليوم، شكّلت الحرب الباردة ونشوء الاتحاد السوفييتي السياسة العالمية من ناحية المعارضة بين رأس المال والعمل. بالإضافة لذلك، فإن العديد من المهاجرين كانوا قد قدموا من دول “العالم الثالث” والتي كان فيها الصراع الاستعماري والتطور ما بعد الاستعمار متأثراً بشكل كبير بالأفكار الاشتراكية.

فبالرغم من مواجهة الجيل الأول من المهاجرين المسلمين للعديد من التحديات وأشكال الاستثناء المتعددة، كانت بريطانيا التي وصلوا إليها ذلك الوقت على درجة عالية من الوعي الطبقي. الأمر الذي تجاوز الهويات العرقية والدينية في أقسام كبيرة في حركات العمال من الأقليات والعمال البيض. فقد قدم ذلك المساحة الفكرية والمؤسساتية للمهاجرين المسلمين لمواجهة تبعيتهم العلمانية على وجه التحديد بالإضافة للاضطهاد الذي يكمن داخل طبقة العمال المتحدة بشكل عام.

فكما كان إنشاء هذه الحركة العلمانية لحد كبير (والغير معادية للأديان) سهلاً بسبب الأوضاع العامة للمجتمع البريطاني والسياسة الدولية في ذلك الوقت، كان تدهورها وبروز سياسات الهوية الدينية نتيجة تطورات واسعة في هذه الميادين.

الجيل الثاني: النيوليبرالية والحرب الطبقية (أحادية الاتجاه)

من المعروف أن العامل الأساسي في نهوض الإسلام المتطرّف داخل المجتمعات الأوروبية المسلمة هو العنف الهائل من “الحرب على الإرهاب”. إن القدرة المتنامية للدول الرجعية كالمملكة العربية السعودية وقطر في تعزيز صور متطرفة عن الإسلام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- عبر شبكات ظهرت لأول مرة بواسطة مركز الاستخبارات الأمريكية خلال حرب أفغانستان بين ١٩٧٩-١٩٨٩، كما يذكرنا محمود ممداني- والذي بدى على أهمية واضحة كغرف المحادثة ومواقع التواصل الاجتماعي التي كثيراً ما يستشهد بها. قمت بتغطية بعض هذه المشاكل في مكان آخر، كآخرين غيري.

بالرغم من ذلك، فإن التطورات داخل بريطانيا نفسها والتي دُمرت “التسوية الاجتماعية” بعد الحرب العالمية الثانية وغيرها الكثير من أساسيات وحدة الطبقة العاملة منذ فوز مارغاريت ثاتشر في الانتخابات العامة عام ١٩٧٩ والتي لا يتم مناقشتها بشكل كبير.

تخلت ثاتشر عن مبادئ كينسيان الاقتصادية والديمقراطية الاجتماعية لصالح السوق الحرة النيوليبرالية، مستلهمةً ذلك من ميلتون فريدمان وفريدريك هايك. وكما حللها العلماء أمثال ديفيد هارفي وجون ويكس، فإن ذلك مثّل -ومازال- مشروع قوة طبقة النخبة بالإضافة لنوع من من الحرب الطبقية أحادية الاتجاه على نطاق واسع. وبعكس مكاسب منتصف القرن العشرين، فقد دفعت النيوليبرالية بعدم المساواة في بريطانيا لمراحل بعيدة جداً مقارنةً بأي وقت خلال العشرينيات-حقيقة لا يمكن لصندوق النقد الدولي إنكارها.

فقد كانت هزيمة الطبقة العاملة من قِبل الدولة البريطانية شرطاً مسبقاً وأساسياً لفرض النيوليبرالية والتي يرمز إليها غالباً بكسر ثاتشر لإضراب عمال المناجم. فعلى الرغم من النمو السكاني الكبير، هبطت أعداد عضويات الاتحاد من ١٣ مليون عام ١٩٧٩ إلى ٦.٥ مليون عام ٢٠١٢، الأمر الذي يعتبر مؤشراً تقريبياً لمدى حجم الاعتداء واسع النطاق. في حين أن ظهور “حزب العمال الجديد” يعني أنه لم يعد هناك أي حزب رئيسي على أي التزام اتجاه الطبقة العاملة بينما كانت النقابات نفسها أقل تطرفاً في طبيعة الحال. فبالإضافة إلى تراجع الصناعة، أدى ذلك إلى تآكل شديد في تماسك وثقة ووعي العمال وتأكديهم لمصالحهم كجموهة موحدة.

وفي ظل ارتفاع معدلات عدم المساواة وفقدات الطبقة العاملة للتضامن، تأثر المسلمون بنسب متفاوتة. فوفقاً لبوفرتي سايت، يعيش٥٠٪ من الأفارقة السود و٦٠٪ من الباكستانيين و٧٠٪ من البنغاليين (كل المجموعات ذات كثافة سكانية عالية أو شبه حصرية من المسلمين)، بما في ذلك “الجيل الثاني”، يعيشون أسر ذات دخل منخفض أو تحت خط الفقر، مقابل ٢٠٪ من البيض في المملكة المتحدة.

وكما تظهر إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تكرر هذا النمط في جميع أنحاء أوروبا. فضواحي فرنسا الشهيرة، التي تسكنها غالبية من المهاجرين أو أبناء المهاجرين من مستعمرات سابقة معظمهم من المسلمين، يعانون ثلاثة أضعاف معدل الفقر الوطني. أما في بلجيكا، فعلى الرغم من أن البلاد واحدة من أعلى مستويات المعيشة في الاتحاد الأوروبي بشكل عام، يعيش ٥٥.٦٪ من المغاربة و٥٨.٩٤٪ من الأتراك تحت خط الفقر. فعندما يرتبط الوصول الغير متكافئ للموارد بشكل واضح مع الهويات العرقية و/أو الدينية، يصبح من السهل تسييسهم في ظل غياب أي تضامن طبقي متوازٍ.

هذا وقد اعتمدت الدولة البريطانية أيضا استراتيجية محددة ضد المسلمين ضمن الهجوم العام على مؤسسات الطبقة العاملة. فطبقاً لما وثقه العلماء مثل آرون كندناني، اشتملت تلك الاستراتيجية على إنشاء شبكة من المساجد المحافظة في المراكز المدنية الكبرى والتي تهدف بشكل واضح إلى استبدال هوية الطبقة الموحدة بأخرى دينية معزولة. وبالطبع، تمت مساعدة النهج اليميني الأساسي “فرّق تسُد” بفشل البريطانيين في معالجة العنصرية ودمج أشكال أخرى من الاضطهاد في مفهومها للطبقات عرقية المركز. وفي الوقت نفسه، كان قد تم نزع التطرف من الحركات الشبابية في العقود السابقة وتحويلها إلى منظمات مجتمعية غير سياسية من خلال قبولها للتمويل الحكومي.

وجد الجيل الاول من المهاجرين المسلمين سبلاً للمشاركة في حركات علمانية قائمة على أساس طبقي والتي ببساطة لا وجود لها اليوم بالرغم من أنها كانت محفوفة بالانقسامات. ومع ذلك، لا تزال مصادر تهميش المسلمين موجودة والتي نمت في بعض الحالات. وباللإضافة لزيادة حالات عدم المساواة الاقتصادية التي تم ذكرها مسبقاً، تتضمن تلك الحالات زيادة هائلة في الإسلاموفوبيا والعنصرية المؤسساتية على نطاق واسع بالإضافة إلى قوانين “مكافحة الإرهاب” القاسية جداً والتي تعمل في المقام الأول على تشريع استخدام الشرطة المفرط في الأقليات العرقية الفقيرة – مثل “الحرب على المخدرات” كما هي الحال في الولايات المتحدة على مدى عقود، كما أظهرت جماعات كمنظمة العفو الدولية ومنظمة ليبرتي.

فمع وجود قاعدة مؤسساتية من أجل الوحدة الطبقية بعد أن تم تفكيكها بشكل منهجي و تم تطهير لغتها من الخطاب السياسي السائد، تقوم الهويات الأخرى بملئ الفراغ. فلا يمكن فهم ظهور الإسلام “المتعصب” -وهي إيدولوجية حديثة تفتقر لسابقة تاريخية حقيقة- على أنه يأتي بالتوازي مع هذا الهبوط في الوحدة الطبقية. فلا يمكن لعملية التطرف نفسها أن تحدث للشباب المسلمين من خلال الدين الذي ليس لديهم سوى فهم سطحي جداً له وإنما تحدث من خلال تجرباتهم المتفاوتة من الاستثناءات والتناقضات ونفاق المجتمعات الغربية ككل

وحقيقة أن “الجيل الثاني” من المسلمين والذي ولد ونشأ في الغرب، يبدو أكثر تقبلاً للإسلام “المتطرف” بكثير مقارنةً بالأول يعتبر دليلاً ليس له علاقة ب “التوافق” “بيننا” و “بينهم” أو حتى بقايا التخلف الحضاري. فهي في حقيقة الأمر علامة على فشل السياسة التقدمية بشكل عام واضمحلال الوسائل البديلة للجمعية السياسية المتطرفة.

الحاجة لسياسة متطرفة

إن مشاركة الجيل الأول من المهاجرين العميقة في حركات العمال يوضح بأنه ليس صحيحاً تماماً القول بأن المسلمين البريطانيين يصبحون أكثر “راديكالية”. في المقابل: لطالما كانوا راديكاليين، لأن الراديكالية وحدها قادرة على مواجهة أشكال متعددة ومتقاطعة من التبعية الطبقية والعنصرية والتي لطالما تعرض لها المسلمون. فعندما لا يقف أي حزب رئيسي لمساندة حتى المبادئ الأساسية للديمقراطية الاجتماعية اليسارية المتوسطة والتي خففت هذا الوضع الثانوي، وضمن السياق العام لخيبة الأمل واسعة النطاق مع السياسة البرلمانية، يأتي هذا التطرف مطلوباً أكثر من أي وقت مضى.

تمكنت أشكال متطرفة من الإسلام السياسي تحقيق مكاسب لأنه بغض النظر عمّا يعظون به، فإنهم يتحدثون عن العدالة الاجتماعية بشكل مباشر، والرفع من قيمة أشكال الهويات المذمومة من قبل المجتمع على الصعيد العام وترشيد التجارب اليومية من التهميش والتبعة إلى وجهة نظر عالمية متماسكة يمكن للمرء من خلالها ممارسة القوة كموضوع سياسي بالرغم. لا يمكن لابتذال ليبيرالي أو لإسلام مجرداً من السياسة مدعوماً من قبل الدولة أن يتنافس مع قهوتهم وطريقتهم المباشرة ببساطة لأنهم لا يتحدثون عن نفس القضايا ولا يرضون نفس الاحتياجات. لا يعني أيّ من هذا أن علينا اعتبار أشكال الرجعية الإسلامية بأنها “تقدمية” لأنها تحتل الأرض التي تقف فيها السياسة التقدمية.

صعود هذه الأيديولوجيات يتبع لا منطق الإسلام نفسه، ولكن ذلك من تطورات أوسع داخل المجتمع البريطاني والسياسة الدولية. ومن المنسجمة تماما مع تدمير النيوليبرالية من التضامن الطبقي، مع تأطير التيار الرئيسي للمشاكل والانقسامات في السكان العرقي أو “الثقافي” بدلا من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، مع الهستيريا المعادية للأجانب على “المهاجرين”، مع “صراع الحضارات” الخطاب “الحرب على الإرهاب” ومع تراجع الناتج الجماعات المهمشة اقتصاديا وسياسيا (بما في ذلك قطاعات من الطبقة العاملة البيضاء) إلى أشكال “التقليدية” للتضامن.

إن ظهور هذه الأيديولوجيات لا تتبع منطق الإسلام نفسه، وإنما تطورات حدثت داخل المجتمع البريطاني والسياسة الدولية على نطاق أوسع. فهي تبدو منسجمة تماماً مع تدمير النيوليبرالية للتضامن الطبقي في أن الصياغة الأساسية للمشاكل والانقسامات العرقية أو “الثقافية” عوضاً عن الجانب الاجتماعي الاقتصادي في ظل الهستيريا المعادية ل”المهاجرين” و”صراع الحضارات” و “الحرب على الإرهاب” وعودة الجماعات المهمشة اقتصادياً وساسياً (بما في ذلك قطاعات الطبقة العاملة البيضاء) إلى أشكال التضامن “التقليدية” التي نتجت عن ذلك.

فإلى أن تواجه السياسة البريطانية “المتطرفة المتوسطة” المهيمنة كما يسميها طارق علي -والتي تتكون من الأحزاب “المتوسطة” التي تفتقر الإلهام والتي يمكن تمييزها بسهولة والتى تسعى على تعزيز مصالح النخبة- وظهور وسائل بديلة للتطرف التدريجي، لا يمكن لأي حجم من المراقبة الجماعية والتشريعات الغير ديمقراطية أن توقف النداء ل”التطرف” الإسلامي. وسيحدث ذلك فقط مع إعادة اكتشاف التضامن الشامل الذي يرتكز على تفاهم أقل عدائية لطبقة قادرة على دمج واحترام استقلالية نضالات المسلمين والأقليات الأخرى

دنكان ثوماس

.دنكان ثوماس يعمل باحثاً لدى مجلس شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق