الانتخابات الإسرائيلية الغامضة

الانتخابات الإسرائيلية تقترب بسرعة. تكشف الخطابات الاستفزازية والإجراءات المروعة من قبل المرشحين الرئيسيين عن نار المعركة المستعرة من أجل السيطرة على بلد تمزقه خلافات داخلية ويعاني من ضغوط خارجية. ومع استطلاعات الرأي الأخيرة التي جعلت الغموض يكتنف الموقف، فإن ما يأمل القيام به أفضل المعلقين هو دراسة برامج أطراف المعركة والتي ستحدد من سيفوز أو يخسر تلك الانتخابات.

الصهيونية اليسارية واليمينية

عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إسرائيل أكثر وثوقاً من مكانتها باعتبارها الدولة القومية بعد أن أعرب إلى الكونغرس الأمريكي عنها عن مخاوف ناجمة عن تهديدات حقيقية. وبالنسبة للكثيرين، بما في ذلك العديد من المؤرخين والسياسيين البارزين،فإذا تم تحقيق الهدف الأساسي للصهيونية -بناء دولة يهودية في فلسطين- عام 1948، فما هو دور الصهيونية اليوم، إن وجد؟

بالنسبة للبعض، فإن أهم وظيفة للصهيونية اليوم هي الحفاظ على الدولة مهما كلّف الأمر. هذا هو موقف المؤرخ اليساري سابقاً بيني موريس، الذي تحول بشكل حاسم إلى اليمين مع التطرف الذي انتشر على نطاق واسع في المجتمع الإسرائيلي بعد عام 2000. فظهور القائمة الصهيونية اليسارية – والتي يعتبر حزب الاتحاد الصهيوني هرتسوغ أبرز ممثليها- هو مدعاة للقلق لموريس وأمثاله.

ما مصير المثل الاشتراكية التي تميز بها التجسيد السابق للصهيونية بعد ذلك؟ فبالنسبة لكثير من المهاجرين الأوائل، أعطت هذه المبادئ الأيديولوجية الصهيونية الكثير من جمالها وجاذبيتها. ولكن اليوم، فقد تم خصخصة جميع الكيبوتسات. هل هناك رمز لتحول الصهيونية أفضل من ذلك؟

في الواقع، فقد مسحت جوانب القومية الصهيونية اليمينية الصهيونية – التي نمت فقط منذ إستيلاءها على الأراضي في 1948 و 1967- هذه المثل الاشتراكية والإنسانية. وبعيداً عن هذه الأيديولوجية المتشددة، فقد أصبحت إسرائيل تماماً مثل كل المجتمعات الحديثة المعاصرة الأخرى جزءاً لا يتجزأ من العولمة، لا أكثر ولا أقل. فقد أعطت الجماعية اليسارية السابقة الطريق إلى الليبرالية المتطرفة (من الناحية الاقتصادية) والفردية.

وقد كتب”المؤرخ الجديد” توم سيغيف والمعروف بعمله عن حرب الأيام الستة، حول هذه المسائل. علّق سيغيف في الآونة الأخيرة، “في ذلك الوقت [وقت الحرب]، اعتقدت وكتبت أن إسرائيل كانت تتحرك نحو مجتمع ما بعد الصهيونية. كنت مخطئاً. فقد تطورت إلى مجتمع أكثر صهيونية من قبل “.

و لإحياء نفسها، يجب على اليسار الإسرائيلي التعامل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي يعاني منها الإسرائيليين. قد تكون قادرة على جعل إسرائيل دولة لجميع مواطنيها، بإعادة اكتشاف تفاهمات بديلة للصهيونية. و كما كتبت في مقالة سابقة، فإن نتيجة الانتخابات قد تعتمد على ما إذا كانت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ستحل محل الدفاع والأمن كالموضوعات البارزة في نقاشات الحزب.

حتمية الأمن

على مدى عقود، كان أمن الإسرائيليين، الذين يشعرون في كثير من الأحيان بأنهم معتدى عليهم أو في ظل تهديد وجودي، أولوية الحكومات الإسرائيلية – بصورة مشروعة في كثير من الأحيان. بالتالي، فإنه يمكن رؤية خطاب نتنياهو أمام الكونغرس بأنه محاولة للحفاظ على هذا التركيز على حساب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المحلية. الأمرالذي قد يكون له نتائج عكسية لإسرائيل على المدى الطويل، كما قلت في مكان آخر.

ومع ذلك، فقد قام نتنياهو بجهود متسقة لتقديم إيران على أنها العدو رقم واحد لإسرائيل، بالإضافة للتهديدات التاريخية والجهات النشطة الجديدة مثل داعش. في حين أن إيران تقع في وسط “محور الشيعة”، الذي يمتد على طول الحدود اللبنانية في مرتفعات الجولان وتمكن من اختراق غزة أيضاً.

لكن هذا ليس تكتيكاً جديداً: فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي التهديد الكامن من الجمهورية الإسلامية في كل الانتخابات، بما في ذلك في أمريكا في عام 2012، والآن في إسرائيل في 17 مارس. فإيران هي قلب الشر المنتشر في المنطقة والتي تقوم بتمويل الميليشيات الشيعية ومتابعة برنامج نووي عسكري، والذي بحسب ادعاء رئيس الوزراء، بأنه لا مما شك فيه ستوجه ضد إسرائيل في أقرب فرصة ممكنة.

ومع اقتراب الانتخابات، سيعتمد الكثير على ما إذا كان يشارك العامة قلق رئيس الوزراء بخصوص إيران وأولوياته إزاء التهديدات الخارجية على القضايا الداخلية.

قوة النقيضين :اليمين ضد يسار الوسط

ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن حزب نتنياهو اليميني الليكود (23 مقعداً متوقعاً في الكنيست) وحزب الاتحاد الصهيوني بقيادة ليفني وهرتسوغ متعادلين. في حين أالأحزاب الراسخة، مثل ليبرمان اسرائيل بيتنا هامشية (5 مشاريع مقعدا).

لكن في ظل التحول من انتخابات إلى أخرى، في هذا المشهد السياسي للغاية، يتم إجراء وإلغاء التحالفات في ظل انضمام أو انفصال الشخصيات الرئيسية عن الفصائل المختلفة. وبأخذ ليفني كمثال، فقد جرّبت الأحزاب كافة من اليمين وحتى اليسار الوسط. فبعد أن بدأت باعتبارها عضوا في حزب الليكود، تحولت ليفني إلى حزب كاديما، حزب منافس كبير بقيادة ارييل شارون، قبل قيادة الاتحاد الصهيوني مع هرتسوغ. وقد شغلت أيضاً منصب وزير العدل في حكومة نتنياهو وممثل لعملية السلام.

أما بالنسبة لوزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان، الذي تسبب في فضائح متعددة في إسرائيل وخارجها بسبب خطاباته المعادية للعرب، لأنه يعلم ما يجب عليه أن يفعله: إذا أراد أن يشغل منصبا بارزا في الحكومة المقبلة، مثل وزير الدفاع ، لا بد له من الإنضمام إلى أي تحالف لمكافحة الليكود.

أما بالنسبة للأحزاب الصغيرة التي يمكن أن تصنع أو تكسر نتيجة الانتخابات هي يش أتيد يائير لبيد، الذي لديه علاقات باردة مع كل من نتنياهو وليبرمان، وبالطبع نفتالي بينيت عضو الحزب اليميني المتطرف البيت اليهودي، في طريقها لنحو اثني عشر مقعدا. وعلى الرغم من أن الحزب اليساري العلماني ميرتس تعهد بالولاء “غير المشروط” لكتلة هرتسوغ من اليسار الوسط، فإنه يحمل عبئاً أقل، مع خمسة مقاعد متوقعة.

وعلى الأقل بقدر اللجوء إلى جمهور الناخبين، سيتم تشكيل الحكومة المقبلة من قبل من يستطيع الانتقال في رمال السياسات الحزبية الإسرائيلية المتحركة لتشكيل أغلبية في الكنيست. لكن يبدو أن ما يثير قلق اليسار الوسط، هو مكان اليمين المتطرف الأفضل للقيام بدور صناع الملوك.

التصويت العربي الإسرائيلي

ولذلك فإن الأمل الأعظم للاتحاد الصهيوني قد يكون في البحث عن تحالف مع الأحزاب العربية. فمن المتوقع أن تفوز القائمة العربية الموحدة بثلاثة عشر مقعدا تتمركز حول الحزب الشيوعي هاداساه.

في حين يبدو أن الناخبين الإسرائيليين متقلبين للغاية لا يمكن أبدا أن تكون على يقين من نتائج الانتخابات السابقة لهذا الحدث، فمن الواضح أن التطرف والانحراف نحو اليمين في السياسة الاسرائيلية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية في عهد نتنياهو لا يلقَ أيّ معارضة. ففي مقابل القوميين وأنصار الصهيونية الدينية من الاستعمار ومعارضة إقامة دولة فلسطينية، يوجد شيء من التجدد في اليسار ويسار الوسط.

وعلى الرغم من ثقة هرتسوغ بأن تحالفه مع ليفني سيكون كافياً للاطاحة بنتنياهو، يبدو من المؤكد أن التصويت العربي سيكون لو وزن أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، فقد قام عدد من السكان العرب في إسرائيل، منذ فشل محادثات كامب ديفيد في عام 1999، بإدارة ظهرهم لأحزاب يسار الوسط الإسرائيلي، والذين كانوا قد صوتوا لها قبل خيانتهم لهم.

وبالتالي فإن الكثير يتوقف على ما إذا كان صعود اليمين المتطرف سيدفع القائمة العربية إلى التحالف مع يسار الوسط الإسرائيلي. فمثل هذا التحالف أمر ضروري لعودة العرب الإسرائيليين – 20٪ من إجمالي سكان البلاد – إلى الشأن السياسي.
وهذا التحالف المحتمل هو أكثر ما يخيف نتنياهو.

إهمال القضايا الاقتصادية والاجتماعية

فشلت حكومة نتنياهو في حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة في البلاد. فالتدابير القليلة التي تم اتخاذها في عام 2011، بعد أكبر مظاهرات في تاريخ إسرائيل، كانت غير فعالة.

فلا يوجد لدى رئيس الوزراء المنتهية ولايته برنامج اقتصادي واجتماعي حقيقي. كما لا يملك خصومه في يسار الوسط ذلك أيضاً. وتسبب هذا الإهمال في – أو ربما بالكاد شرّع – الوضع الإقليمي الغير مستقر في أعقاب الانتفاضات العربية من عام 2011، والتي استخدمت لتبرير التركيز غير المتناسب على الأمن.

وفي ظل هذه الظروف، فإن ميزانية الدفاع تستهلك 20٪ من الانفاق الحكومي. لكن وبالرغم من تخفيضات كبيرة في أماكن أخرى، بقيت محصّنة من أي استجواب حول هذه النفقات التي أصبحت محرمة.

فطالما سيتم إنفاق هذه النسبة الكبيرة من عائدات الدولة على الدفاع، فمن الصعب أن نتصور أي حل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية أو إعادة بناء دولة الرفاهة في إسرائيل. الانتخابات، لسوء الحظ، لن يغير شيئا في هذا الصدد.

القضية الفلسطينية: صمت يصم الآذان

وعلى الرغم من تعادل المتنافسيّن الرئيسييّن، فمن شبه المؤكد أن لا يعد أيّ منهما باستئناف مفاوضات السلام. فقائمة حزب العمل صهيونية في المقام الأول. ومن الجدير بنا أن نتذكر أن اليسار الإسرائيلي يلوم زواله في أوائل القرن الحالي لثقته بالفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، فقد كانت الصهيونية العمالية مسؤولة عن طرد الفلسطينيين في عام 1948، وحرب الأيام الستة في عام 1967. وفي الواقع، فإن من قام باستعمار فلسطين منذ البداية هو الأحزاب اليسارية، حتى رئيس الوزراء العمل الماضي، إيهود باراك ، عندما انضم للتحالف الوطني بقيادة نتنياهو في عام 2003.

إن آفاق التحالف بين الأطراف العربية واليسار الإسرائيلي، والذي قد يضيف بمعنى للمشهد السياسي، أصبح غير مؤكد، على أقل تقدير. خاصة في ظل ازدياد التوتر مع اقتراب الانتخابات. فطلب فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتعليق اسرائيل لمدفوعات عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية، واعتقال مسؤولي حماس في الضفة الغربية – كلها تشير إلى تدهور سريع للعلاقات منذ 2014 في “عملية الجرف الصامد”.

وقد خيّمت، في الأسابيع التي سبقت الانتخابات، على القضية الفلسطينية موجة من الصمت. فتجربة نتنياهو في غير المفاوضات؛ وصعود كتلة هرتسوغ على اليسار الوسط بزعامة يائير لبيد؛ وظهور أحزاب عديمة الفائدة والتي نادرا ما تستمر من انتخابات إلى أخرى؛ ومحاولات من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني لتعطيل هيمنة المنشأة السياسية-العسكرية؛ أيا كان الاهتمام في القضايا الاجتماعية والاقتصادية: يبقى الفلسطينيون الضحايا الرئيسيين لقرار الناخبين الاسرائيليين في التصويت على أساس المخاوف الأمنية مرارا وتكرارا.

سيباستيان بوسوا

يعمل سيباستيان بوسوا كمستشار سياسي لفورمينا وقام بتأليف العديد من الكتب من بينها عمله الأخير بعنوان “إسرائيل بين أربعة جدران: مجمع الأمن ضد الربيع العربي” (Grip Editions، بروكسل)

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق