تحت عنوان “الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير” حول التنمية البشرية العربية لعام 2016، حذر تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن “الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب (في العالم العربي) وإمكاناتهم يدفعهم إلى التحول من قوة بناء في خدمة التنمية إلى قوة هدامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار وتهدد أمن الإنسان بمختلف أبعاده بشكل خطير قد يجهض عملية التنمية برمتها.”
حذر تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليوم الثلاثاء من أن الاستمرار في تهميش الشباب العربي وتجاهل أصواتهم يهدد بإجهاض جهود التنمية في المنطقة.
وحمل تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016 عنوان “الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير”، وهو السادس في سلسلة تقارير يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 2002.
وجاء في مقدمة التقرير أن “الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب وإمكاناتهم والاكتفاء بمبادرات صورية أو مجتزأة لا تغير واقعهم يذكي اغترابهم عن مجتمعاتهم أكثر من أي وقت مضى.”
وأضاف أن هذا النهج “يدفعهم إلى التحول من قوة بناء في خدمة التنمية إلى قوة هدامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار وتهدد أمن الإنسان بمختلف أبعاده… بشكل خطير قد يجهض عملية التنمية برمتها.”
“الشباب العربي عامل حاسم للتغيير ولتحقيق التنمية المستدامة“
ودعا التقرير إلى تطوير السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالشباب، وكذلك إعادة صياغة السياسات العامة في البلدان العربية “حول نموذج جديد للتنمية جدير بالشباب في ظل الواقع المتغير الذي تعيشه المنطقة اليوم على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية”.
ويرتبط التقرير الجديد بخطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدها زعماء العالم العام الماضي والتي تؤكد على أن “الشبان والشابات عوامل حاسمة للتغيير ومحوريون لتحقيق التنمية المستدامة”.
ويرتكز التقرير على انتفاضات الربيع العربي التي انطلقت عام 2011 وكان الشباب في طليعتها، وما تلاها من تطورات من منظور التنمية الإنسانية.
وجاء فيه أن انتفاضات الربيع العربي “مثلت… نقطة تحول فارقة لم يعد ممكنا بعدها إيقاف قوة الدفع للتغيير من أجل الإصلاح، لكنها تواكبت في الوقت ذاته مع حالات حادة من النزاع وعدم الاستقرار”.
ثلث سكان المنطقة تتراوح أعمارهم من 15 إلى 29 عاما
وقالت هيلين كلارك، مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن التقرير يؤكد على أن “تمكين الشباب وإشراكهم في هذا المنعطف الهام من تاريخ المنطقة حيويان لوضع أسس جديدة وأكثر استدامة للاستقرار”.
وأضافت في مقدمة التقرير أنه “يدعو الدول العربية إلى الاستثمار في شبابها وتمكينهم من الانخراط في عمليات التنمية”.
وتابعت أن “هذه أولوية حاسمة وملحة بنفسها وشرط أساسي لتحقيق تقدم ملموس ومستدام في التنمية والاستقرار للمنطقة بأسرها.”
ووفقا للتقرير، فإن ما يقارب من ثلث سكان المنطقة تتراوح أعمارهم من 15 إلى 29 عاما (أكثر من 105 ملايين شخص)، في حين يشكل الأطفال دون 15 عاما ثلثا آخر.
وقالت كلارك “سيبقى هذا الزخم السكاني إلى العقدين القادمين على أقل تقدير ويوفر فرصة تاريخية يتحتم على البلدان اغتنامها.”
الدين والتطرف
وقالت صوفي دو كاين، مديرة المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية بالإنابة، إن التقرير يشدد على أن “الشباب في المنطقة العربية لا يمثلون مشكلة لعملية التنمية أو عبئا عليها، وإنما هم مورد أساسي لحل مشاكل التنمية في هذه المنطقة.”
وذكرت أن التقرير يحذر من أن عدم تمكين الشباب يزرع بذور عدم الاستقرار.
وقالت دو كاين “من البديهي أن الشباب في أنحاء المنطقة العربية تأثروا على نحو خطير بالأزمات الحديثة العهد، حيث جرف العديد منهم إلى الخطوط الأمامية لصراعات لم يبدؤوها… وفي مواجهة تحديات كهذه انضم بعضهم إلى جماعات متطرفة”.
ويستعرض التقرير مجموعة من التحديات التي يواجهها الشباب العربي ومنها ندرة فرص العمل اللائق والإقصاء وضعف المشاركة السياسية وانخفاض جودة التعليم والصحة وسوء إدارة التنوع في المجتمع وانتشار مفاهيم وممارسات موروثة تعيق المساواة بين الجنسين.
الشباب العربي يعاني من الإحباط والشعور بالعجز والاغتراب والتبعية
وقالت كلارك “ما زال الكثيرون يتلقون تعليما لا يعكس احتياجات سوق العمل، فيما أعداد كبيرة منهم ولا سيما من الشابات عاطلة عن العمل ومستبعدة عن الاقتصاد الرسمي ومن دون مورد رزق”.
وأضافت أن “الخطر لهؤلاء الشباب أنهم يعانون الإحباط والشعور بالعجز والاغتراب والتبعية بدلا من استكشاف الفرص المتاحة واستشراف آفاق المستقبل.”
ويشرح التقرير أيضا كيف تؤدي الصراعات في المنطقة إلى تقويض مكتسبات التنمية ويتطرق إلى قضايا الدين والهوية والتطرف.
يجب صياغة نموذج جديد للتنمية جدير بالشباب
ولفت التقرير إلى أن الشباب الذين ينضمون للجماعات المتطرفة ينتمون لطبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة لكن “يتبين أن غالبتهم خبروا مباشرة نتائج إخفاق النموذج التنموي في المنطقة ولذا انخرطوا في العنف لاعتقادهم بأنهم يفتقرون إلى خيارات أفضل.”
وذكر التقرير أن المؤشرات تشير إلى أن الغالبية الساحقة من الشباب في المنطقة العربية لا تميل إلى تبني أفكار متطرفة عنيفة أو الانضمام لجماعات إرهابية، لكنهم “يبقون معرضين ليكونوا ضحية دعاية جماعات تسيء استخدام الدين مستفيدة من الدور المحوري الذي يلعبه في تشكيل الهوية.”
ودعا التقرير الدول العربية إلى صياغة نموذج جديد للتنمية جدير بالشباب ويهتم بثلاثة أبعاد إستراتيجية رئيسية هي العمل على تعزيز قدرات الشباب الأساسية بما يمكنهم من تحقيق أقصى إمكاناتهم، وتوسيع نطاق الفرص المتاحة للشباب من أجل تحقيق الذات اقتصاديا بتوفير فرص عمل واحترام حقوقهم وحرياتهم وتمكينهم من المشاركة الفاعلة، وأخيرا العمل على تحقيق السلام والأمن وتعزيز دور الشباب في هذا الإطار لضمان جدوى البعدين السابقين.
________________________________