تشير الساعة إلى الثانية و42 دقيقة بعد منتصف الليل، الأعصاب مشدودة، والأعين مُصوَّبة على شاشة عملاقة تنقل بالمباشر عملية إطلاق القمر الصناعي المغربي الثاني “محمد السادس – ب”، انطلاقاً من قاعدة “كورو” في غويانا الفرنسية، محمولاً على صاروخ “فيغا” الإيطالي.
بدأ العد العكسي استعداداً للإقلاع. ارتفع الصاروخ الذي يزن 1100 كيلوغرام، مخترقاً سماء الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية، فيما تسارعت دقات قلوب التقنيين والمهندسين المغاربة ممن أشرفوا على القمر الصناعي، والذين كانوا حاضرين كوفد داخل مركز القيادة للمساهمة في عملية الإطلاق نحو الفضاء.
القمر الصناعي المغربي الجديد، ليس الأول من نوعه، فقد سبقه إطلاق “محمد السادس – أ” قبل سنة من الآن، وتحديداً في الـ8 من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، فيما تم إطلاق القمر الأول “زرقاء اليمامة” في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول 2001 من قاعدة “بايكونور” الفضائية بكازاخستان.
الأقمار الصناعية التابعة للمملكة تجعل من المغرب ثالث دولة إفريقية تملك قمراً صناعياً خاصاً بها بعد مصر وجنوب إفريقيا.
قمران توأم.. المغرب نحو الفضاء
55 دقيقة كاملة، مَشوبَة بالضَّغط النفسي والتَّرقب، قبل أن يتنفس الوفد المغربي الصُّعداء، متبادلين عناقاً حاراً فيما ارتسمت الضحكات على وجوههم، كيف لا وقد تم وضع القمر الاصطناعي “محمد السادس – ب” بنجاح في مداره.
“ها نحن من جديد نعيش أجواء الفرحة والفخر بحضور هذا الإطلاق الناجح للقمر الصناعي (محمد السادس – ب)، أريد أن أعبّر لكم باسم جميع زملائي وباسم الوفد المغربي الحاضر هنا عما يُخالِجنا من فرحة وفخر يصعب التعبير عنهما في هذه اللحظة التاريخية”، يقول كريم التجمعتي، رئيس الوفد المغربي، بعد عملية الإطلاق الناجحة.
ويتميز القمران المغربيان بقُدرتِهما على خدمة أهداف مدنية وأمنية، ومن المنتظر أن يتم استعمالهما لأغراض المسح الخرائطي والأرضي، والرصد الزراعي، والوقاية من الكوارث الطبيعية وإدارتها، ورصد التغيرات في البيئة والتصحر، فضلاً عن مراقبة الحدود والسواحل.
وكان المغرب قد تعاقد مع شركتي “إيرباص ديفانس آند سبايس” و “تاليس إيلينيا سبايس”، عام 2013 لتوفير نظام استطلاع بصري عالي الدقة يتكون من قمرين صناعيين، “محمد السادس أ – ب”.
وتستند هذه الأقمار الصناعية، التي سيتم تسييرها من طرف المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي، إلى النسخ المطورة من أقمار الرصد الفرنسية HR-pleiades، على غرار أقمار Falcon Eye الإماراتية.
أقمار المغرب الصناعية.. ومخاوف الجيران
منذ إطلاق المغرب قمره الصناعي السنة المنصرمة، أبدت دُول جارة تخوفها وغضبها كذلك من هذه الخطوة، وهو التوجس الذي زادت وتيرته عقب إطلاق القمر التوأم قبل ساعات.
وانبَرَت جرائد جزائرية إلى التأكيد على أن “الغرض من الأقمار الصناعية المغربية هو إطلاق أنشطة تجسس على الحدود الجزائرية”، ما حذا بالجارة الشرقية للمملكة إلى “نصب أنظمة مراقبة تكنولوجية، وعوازل إسمنتية مزودة ببرامج إلكترونية وأجهزة تشويش، لتعزيز المراقبة على الحدود مع المغرب”، وتابعت الصحيفة الجزائرية قولها بأن “هذه الخطوة أملَتْها دواع أمنية”.
مواقع إخبارية أوروبية، وعلى رأسها الصحيفة الإسبانية “إلباييس”، أشارت إلى أن اقتناء المغرب لهذين القمرين، يدخل في إطار تعزيز الترسانة الأمنية، ضِمن صفقة تمت سنة 2013 مع فرنسا، اقتنت بموجبها المملكة المغربية قمرين صناعيين بحوالي 500 مليون يورو.
وقالت الجريدة الإسبانية، إن القمر الاصطناعي العسكري المغربي، “قادر على الرصد والاستطلاع بدقة عالية على شريط يمتدُّ على طول 800 كيلومتر”، كما أنه “يستطيع التقاط 500 صورة يومياً وإرسالها إلى محطة التحكم الأرضية على رأس كل 6 ساعات”، ما يُتيح “إمكانية الحُصول على معلومات مُفصلة حول المنشآت العسكرية وتحركات القوات العسكرية للجيران”.
طمأنة مغربية.. لا داعي للتخوف!
لم تقِف الحكومة المغربية مكتوفة الأيدي حيال تخوفات الجيران، فخرج الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي؛ ليؤكد أن القمر الصناعي الذي أطلقه المغرب يجب ألا يكون مدعاة للخوف؛ لأنه “خطوة مشروعة ومطلوبة لتعزيز مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمملكة”.
بالنسبة للدكتور محمد شقير، الباحث المغربي في القضايا الأمنية والعسكرية، فإن القمرين الصناعيين، وإلى جانب أغراضهما المدنية، يُستعملان أيضاً لأهداف استخباراتية، خاصة القمر “محمد السادس – ب”، الذي سيقوم برصد مختلف التحركات على الحدود علاقة بدول الجوار إسبانيا والجزائر.
ويرى الخبير العسكري ضمن حديثه لـ “عربي بوست”، أنه من الطبيعي أن تُبدي كل من الجزائر وإسبانيا تخوفاتهما من إطلاق المغرب لقمرين خلال سنة تقريبًا، موضحاً أن خطوة المملكة رسَّخت نوعاً من النقص لدى الجارتين، ما جعل الجزائر تبحث عن تكنولوجيا جديدة لمواجهة قدرة المغرب الاستخباراتية، وفق قوله.
وأبرز صاحب كتاب “السلطة وتطور المراسيم العسكرية”، أن المغرب حقق السَّبق على المستوى التكنولوجي الاستخباراتي، ما جعل الجزائر تلجأ للصين للحصول على قمر بهذا الحجم دون أن تنجح في ذلك، لافتاً إلى أن القمر الصناعي الذي تم إطلاقه قبل ساعات ضاعف الفجوة وجعل الجزائريين يفكرون في محاولة أكثر جدية للحد من هذا التفوق العسكري والاستخباراتي.
________________________________