ستراسبورغ /وكالات ـ اعتبرتِ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن سعي تركيا إلى تحديد مصادر صحفيين في مجلة معارضة بعد كشفهم ممارسات تقوم بها القوات المسلحة، يعد انتهاكا لحرية التعبير.
وأدانت المحكمة، أمس، التدخل في عمل الصحفيين، مؤكدة أنه “لم يكن ضروريا في مجتمع ديمقراطي” وتسبب في “منع كل المصادر المحتملة من مساعدة الصحافة في نقل معلومات إلى الرأي العام في مسائل تتصل بالمصلحة العامة بما فيها تلك المرتبطة بالقوات المسلحة”.
وحكم القضاة على أنقرة بأن تدفع ما بين 500 و2750 يورو للصحفيين الستة الذين لجأوا إلى المحكمة في نوفمبر 2007، وذلك تعويضا للضرر المعنوي الذي لحق بهم.
تصنيف الصحفيين
وكان مقالهم الذي نشر في أسبوعية نكتة، سلّط الضوء على وجود نظام تصنيف للصحفيين الموالين أو المعارضين للقوات المسلحة، يتيح للجيش منع بعضهم من حضور الأنشطة التي ينظمها. وفي أبريل 2007، داهمت السلطات مكاتب المجلة ونقلت معلومات مخزّنة في 46 حاسوبا بهدف تحديد هويات العاملين الذين اضطلعوا بدور في هذه القضية.
وفي حكمها، أقرت المحكمة الأوروبية بأن الطابع السرّي للمعلومات حول آلية العمل الداخلية للقوات المسلحة يمكن تبريره، لكنها شددت على أن “هذه السرية لا يمكن حمايتها بأي ثمن”، واصفة سلوك السلطات التركية بأنه “غير متكافئ”.
عقوبة السجن
واعتبرت أن المقال المعني “يندرج بشكل كبير في إطار مناقشة التمييز الذي تمارسه الهيئات الرسمية بحق وسائل الإعلام”، وقد “ساهم في النقاش العام حول علاقة القوات المسلحة بالسياسة”. ويأتي هذا القرار فيما يواجه صحفيان في المجلة نفسها عقوبة السجن حتى 20 عاما بعد اتهامهما بمحاولة تنفيذ انقلاب.
واعتقل الصحفيان غداة الانتخابات التشريعية في الأول من نوفمبر بعدما كتبا أن فوز حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان هو بمثابة “بداية للحرب الأهلية في تركيا”.
كما صرّح الصحفيان جان دوندار رئيس تحرير صحيفة جمهوريت اليسارية وإردم جول كبير محرري الصحيفة اللذان اعتقلا بتهمة التجسس ومساعدة جماعة إرهابية، بأن الهدف من إلقاء القبض عليهما هو إرسال تحذير إلى الصحفيين.
وجرى اعتقال الصحفييْن في 25 نوفمبر بسب نشر لقطات زعمت الصحيفة أنها تظهر أن جهاز المخابرات التركي يساعد في إرسال أسلحة إلى سوريا. ووصف أردوغان ما نشرته الصحيفة بأنه محاولة لتقويض مكانة تركيا على الساحة العالمية. وتعهد بأن تدفع صحيفة جمهوريت ثمنا كبيرا وقال “لن اتراجع عن هذا”.
استهداف الصحافة
وأكد الصحفيان في رسالة بالفاكس لوكالة رويترز، من مقر سجنهما مكتوبة بخط اليد أجازته لجنة تطلع على مراسلات السجناء “اعتقالنا رسالة واضحة تستهدف الصحافة وهي تقول (لا تكتب)، هذه حملة مباشرة ترمي إلى الرقابة الذاتية”.
ونفى مسؤول حكومي كبير أن تكون للتحقيق أي أهداف سياسية، وقال إنها مسألة قانونية بحتة. وأضاف “ثمة خرق واضح للقانون. من غير المقبول توجيه مثل هذه الانتقادات للحكومة”.
وأثار اعتقال الصحفييْن احتجاجات في تركيا وندد به مسؤولون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عبّروا عن قلقهم من أن أردوغان وحكومته يحاولان إسكات أصوات المنتقدين وممارسة نفوذ كبير للغاية على المحاكم. ووجهت إلى جول ودوندار وهو أيضا مخرج أفلام وثائقية ذائعة الصيت اتهامات بالتجسّس ومساعدة منظمة إرهابية. ويصر الصحفيان على عدم وجود أي أساس قانوني لاعتقالهما. وقال رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو، الذي خلف أردوغان في رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، إنه يتعين محاكمة دوندار وجول بتهمة تهديد المصالح الاستراتيجية لتركيا ولكن يجب عدم سجنهما قبل تلك المحاكمة. لكنهما ما يزالان رهن الاعتقال في سجن يبعد نحو 80 كيلومترا غرب إسطنبول دون توجيه اتهام أو تحديد موعد لمحاكمتهما.