الزواج المدني في لبنان

تواصل هيئات المجتمع المدني في لبنان تحركاتها بدعوة من الهيئة المدنية لحرية الاختيار للمطالبة بإقرار قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، يتيح للبنانيات واللبنانيين الراغبين بعقد قرانهم مدنياً على الأراضي اللبنانية. سبعة أزواج نجحوا في خرق المحظور وسجلوا عقودهم المدنية المبرمة قي لبنان، متحدّين بذلك النظام الطائفي اللبناني المهترئ . وفي الأثناء، تواجه عشرات العقود مصيراً مجهولاً بانتظار قرار من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الذي يرفض حتى اليوم تسجيل تلك العقود بشكل رسمي. 

بدأت القصة في عام 2009  مع إصدار وزير الداخلية والبلديات آنذاك زياد بارود تعميماً يجيز للبنانيين عدم التصريح عن القيد الطائفي وشطبه من سجلات النفوس. وجاء في التعميم: ” قبول عدم تصريح صاحب العلاقة عن القيد الطائفي وقبول طلبات شطب القيد الطائفي من سجلات النفوس، كما ترد الى رؤساء النفوس دونما حاجة لأي إجراء إضافي.  وفي حال عدم التصريح عن القيد أو طلب شطبه، تدوين إشارة “/” في الخانة المخصصة للمذهب في قيود الأحوال الشخصية العائدة لصاحب العلاقة”.

وبهذه الطريقة، أتاح تعميم الوزير بارود للبنانيين إمكانية عدم انتماء المواطن اللبناني لأي من الطوائف الدينية المعترف بها في البلاد، الأمر الذي يحتم على الدولة اللبنانية التعامل مع الشاطبين على أساس مواطنيّ عوضاً عن اعتبارهم، كما تجري العادة، أفراد ينتمون إلى طوائف معينة.

وبعد ثلاث سنوات من تاريخه، عقد أول قران مدني على الأراضي اللبنانية بين خلود سكرية ونضال درويش، وهو أول عقد من نوعه في البلاد، وذلك بعد شطب الإشارة إلى مذهبيهما من سجلات النفوس. ثم أحيل الملف إلى وزير الداخلية والبلديات آنذاك مروان شربل الذي وقع على العقد، ليتم تسجيله رسمياً في سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصية، وهي سابقة تاريخية في لبنان. ثم كرّت السبحة ليحذو العشرات من اللبنانيين حذو خلود ونضال، وذلك إستناداً إلى القرار 60 ل.ر. الصادر عن الانتداب الفرنسي في عام 1936،  والذي أقر بحق وجود لبنانيين غير منتمين إلى الطوائف 18 التاريخية المعترف بها في لبنان وبحقهم في إجراء عقود زواج مدنية، على أن يتم تنظيم أحوالهم الشخصية من خلال قانون مدني.

وينص القرار 60 ل.ر. صراحة على إمكانية الانتماء إلى طائفة أو عدمه. القرار المذكور كرس حرية المعتقد وحرية عدم الانتماء إلى أية طائفة. وينص القرار في المادة العاشرة منه على التالي: ” يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون إلى الطوائف المعترف بها ذات الأحوال الشخصية لنظام طوائفهم الشرعي في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية ولأحكام القانون المدني في الأمور غير الخاضعة لهذا النظام. ويخضع السوريون واللبنانيون المنتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي وكذلك السوريون واللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية.” ويتابع القرار في المادة 14 منه: “إن الطوائف التابعة للقانون العادي تنظم شؤونها وتديرها بحرية ضمن حدود القوانين المدنية.”

أي أنه وبعد مرور 77 عاماً على صدور القرار 60 ل.ر. عن المندوب السامي الفرنسي، اكتشف اللبنانيون أنه بإمكانهم بالفعل عقد زواجهم المدني على الأراضي اللبنانية وأن وجود لبنانيين غير منتمين إلى أي طائفة أمر قانوني، ما يكرس حقهم بالوجود كأفراد مواطنين خارج القيد الطائفي.

إلا أن القضية ليست بهذه البساطة، إذ يبدو أن المسألة تسير وفقاً لأهواء وزراء الداخلية المتعاقبين على المنصب وتبعاً لانتماءاتهم السياسية. ففي حين وقع وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل على 7 عقود مدنية أبرمت على الأراضي اللبنانية، معترفاً بذلك بقانونيتها، يصر الوزير الحالي نهاد المشنوق على عدم التوقيع على عشرات العقود الأخرى، وطالب المعنيين بالاستعاضة عن ذلك عبر التوجه إلى مجلس النواب للمطالبة بإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، كما دعا من يرغبون بعقد زواجهم مدنياً بالسفر إلى قبرص، كما اعتاد اللبنانيون أن يفعلوا. ورغم أن العقود المدنية المبرمة في قبرص (أو غيرها من البلدان التي يعتمد فيها الزواج المدني) تسير وفق الطرق القانونية نفسها التي اتبعت لإبرام العقود المدنية في لبنان، إلا أن الأولى مباركة ويتم تسجيلها رسمياً فيما الثانية تنتظر موافقة الوزير.

بدورها، أكدت الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل على قانونية عقود الزواج المدني، معتبرةً أن من حق اللبنانيين الذين لا ينتمون إلى طائفة دينية أن يعقدوا زواجهم المدني في لبنان، على أن يكون الكاتب العدل هو المرجع المختص لعقد الزواج المدني والتصديق عليه. كما اعتبرت الهيئة أن  للزوجين حرية تعيين القانون المدني الذي يختارانه ليرعى عقد زواجهما بالنسبة إلى آثار الزواج كافة، وذلك بسبب غياب قانون مدني موحد للأحوال الشخصية في لبنان.

وتعترف الحكومة اللبنانية بـ 18 طائفة معظمها من المذاهب الإسلامية والمسيحية، حيث يخضع أفرادها فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية للقوانين والمحاكم المخصصة كلٌ بطائفته الدينية. أما المتزوجون مدنياً فيخضعون في أحوالهم الشخصية لقوانين البلد الذي عقد فيه الزواج. والزواج المدني هو زواج قانوني له نص رسمي وفيه بنود ملزمة تنظم الحقوق والواجبات بين الزوجين. يعقد الزواج المدني في محكمة مدنية وأمام قاضٍ مختص ينظم الأحوال الشخصية من سن الزواج وعقد الزواج والمعاملات الرسمية والطلاق الحضانة والوصاية والإرث…ومن شروط الزواج المدني التأكد من رضا الطرفين وبلوغهما سن 18 سنة وعدم وجود زواج سابق قائم، إضافة إلى عدم وجود علاقة قربى بين الأصول والفروع.

أما قانون الزواج المدني، فهو ملزم بشروطه لمن يطبق عليه، كما أن الاختلاف في الدين لا يشكل عائقاً أمام الزواج. وفيما يتعلق بالطلاق، هناك إمكانية حل عقد الزواج وفق شروط قانونية وبقرار من المحكمة. كما أنه لا يسمح بتعدد الزوجات.

وما يحصل راهناً عند تسجيل العقود بالنسبة للزيجات المدنية للبنانيين المعقودة خارج الأراضي اللبنانية أن الزواج يخضع لقانون مكان الاحتفال أو قانون محل إقامة الزوجين إذا كانا مقيمين خارج لبنان، وذلك في حال انتماءهما لطائفتين مختلفتين. أما زواج المسلمين المعقود مدنياً خارج لبنان، فيخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، ما يعني أنها تعترف ضمنياً بصحته. ويبقى أن مقدمة الدستور اللبناني تنص على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، ما يعني حرية الانتماء إلى طائفة ما أو عدمه. كما تضمنت الفقرة ب من مقدمة الدستور أن لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة المم المتحدة وملتزم مواثيقها والعلن العالمي لحقوق النسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالت دون استثناء. هذا إضافة إلى نصه صراحةً على أن إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وهو ما لم يبصر النور بعد.

فرح رويساتي

محررة ومترجمة وكاتبة مستقلة مقيمة بين لبنان وتركيا. حائزة على شهادة بكالوريوس في مجال التواصل من كلية الإعلام والتوثيق، الجامعة اللبنانية في بيروت

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق