كشفت أحدث نسخة من مؤشر الديمقراطية، الصادر عن The Economist Intelligence Unit، أن الديمقراطية في تراجع. ووجد هذا الاستطلاع السنوي، الذي يقيس حالة الديمقراطية في 167 دولة وفق 5 معايير، أن مبادئ الديمقراطية شهدت تدهوراً في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي. والمعايير الخمس التي يحتسب المؤشر النتائج وفقاً لها هي: التعددية السياسية والعملية الانتخابية، والمشاركة السياسية، والثقافة السياسية الديمقراطية، والحريات المدنية، وأداء الحكومة.
أكثر من ثلث سكان العالم يعيشون تحت الاستبداد
ويقدر المؤشر المعدل العالمي للديمقراطية بـ5.44 نقطة من 10 نقاط، وهو أقل معدل مُسجَّل منذ إنشاء المؤشر في 2006 كما تقول مجلة The Economist البريطانية. ولم يصنف المؤشر سوى 22 دولة، موطن 430 مليون شخص، بأنها “كاملة الديمقراطية”. في حين أن أكثر من ثلث سكان العالم لا يزالون يعيشون تحت أنظمة حكم استبدادية.
انخفاض حاد في الصين والهند
وسجلت الصين أكثر انخفاض حاد في الحريات الديمقراطية. وأسفر التمييز ضد الأقليات في منطقة شينجيانغ الغربية وغيرها من انتهاكات الحقوق المدنية، مثل الرقابة الإلكترونية، في تراجع كبير في معدل الدولة من 3.32 إلى 2.26 نقطة.
وتراجعت الهند كذلك، أكبر دولة ديمقراطية في العالم، على مؤشر The Economist Intelligence Unit بعدما جرَّدت الحكومة القومية الهندوسية منطقة جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة من وضع الحكم الذاتي في شهر أغسطس/آب العام الماضي. إلى جانب ذلك، ساهم في هذا التراجع قرار ولاية أسام بإقصاء مليوني مسلم من تعداد المواطنين، ومن ثم تجريدهم من الجنسية. وتشير مصادقة البرلمان الهندي على تعديلات قانون المواطنة إلى أن الهند ستواصل التراجع على المؤشر في عام 2020.
حتى دول “الديمقراطية الكاملة”
الديمقراطيات الكاملة كذلك لم تسلم من هذا التردي. فبعدما وُجِدَت صلات بين مسؤولين كبار في حكومة مالطا ومقتل الصحفية والناشطة ضد الفساد دافني جاليتسيا، أعلن رئيس وزراء مالطا استقالته. وكانت هذه الفضيحة السياسية كافية للإطاحة بالدولة الصغيرة إلى فئة “الديمقراطية المعيبة” على المؤشر، وذلك للمرة الأولى منذ تأسيسه.
وفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث صُنِفَت أكثر من نصف حكومات المنطقة الـ44 بأنها استبدادية، شهدت 23 دولة تراجعاً في معدلات الديمقراطية، بينما لم تتحسن سوى 11 دولة فقط. ويُمكِن أن يُعزَى السبب في تدهور المنطقة جزئياً إلى الانتخابات غير الديمقراطية، مثل الانتخابات الرئاسية السنغالية في فبراير/شباط، والتي مُنِع فيها منافسو ماكي سال، الرئيس الحالي من الترشح.
محاولات لسد الفجوة
ومع ذلك، هناك بصيص أمل بين هذه الصورة القاتمة. إذ شهد “النقاش الوطني الكبير” في فرنسا، وهو سلسلة من الاجتماعات التي عقدها الرئيس إيمانويل ماكرون رداً على احتجاجات السترات الصفراء، ما يقرب من مليوني مساهمة من المواطنين الفرنسيين على الإنترنت.
وساعد هذا الجهد فرنسا على استعادة مكانتها ضمن فئة الدول “كاملة الديمقراطية”. إذ سبق وتسبب انخفاضها بـ0.12 نقطة إلى تراجعها لفئة “الديمقراطية المعيبة” في عام 2015. وحين اندلعت احتجاجات سلمية في تشيلي المُندِّدة بمعدلات عدم المساواة العالية في البلاد، استجابت الحكومة بالتعهد بزيادة الحد الأدنى للأجور، ورفع الضرائب على الأثرياء، وعقد استفتاء عام 2020 على دستور جديد. لكن هذه الإصلاحات لم تأتِ من دون تكلفة؛ إذ أسفرت المظاهرات عن مقتل 20 شخصاً وإصابة الآلاف.
________________________________