تمت ترجمة المقال من اللغة الإنجليزية
حتى وإن فقدت تكريت، فستبقى داعش تشكل تهديداً إذا ما استمرت الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية الطائفية في اضطهاد العرب السنة في العراق. ولتحقيق النصر، يجب اشتراك السنة العرب.
وكما صرح مؤخراً رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، فإنه من المرشح جداً أن تستعيد قوات الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية المتحالفة معها تكريت. فالعملية التي تهدف إلى استخراج تكريت من براثن داعش، والتي تدخل أسبوعها الثالث، هي وبشكل واضح جزء من حملة أوسع تهدف إلى استعادة الموصل أيضاً والتي سقطت في أيدي داعش الصيف الماضي.
قد يبدو هذا الأمر مدمراً للتنظيم الإرهابي المسؤول عن العديد من الأعمال الوحشية ضد العراقيين من جميع المذاهب والثقافات. ومع ذلك، فلن ينجو التنظيم من خسارته المناطقية هذه وحسب، ولكنه يحتمل أن يزدهر أيضاً كنتيجة لتلك الخسارة. وهذا هو المرجح حدوثه لا سيما إذا لم تكبح الحكومة العراقية جماح السياسات الطائفية الخاصة بها وقمع الميليشيات الشيعية المعادية للسنة والتي أصبحت أكثر قوة من الجيش العراقي نفسه.
ووفقا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فإن لدى داعش، اعتباراً من سبتمبر ٢٠١٤، ما يزيد عن ٣٠ ألف عضواً آخذين في الازدياد. قد يبدو هذا الأمر صعب التصديق، خصوصا عندما ينظر المرء إلى مساحة الأراضي الهائلة التي تسيطر عليها، والتي تمتد من المناطق في شمال وشرق سوريا وحتى جزء كبير من شمال وغرب العراق. ومع ذلك، هنالك شعور بأن هزيمة حتمية ستلحق بداعش في الأيام والأسابيع المقبلة يمكن استنباطه من حقيقة أن هناك ٢٧ ألفا من الجنود والمقاتلين العراقيين من ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المتمركزين في تكريت وحدها.
من المرجح أيضا أن هؤلاء المقاتلين يتلقون الأوامر من قبل الجنرال الغامض قاسم سليماني، قائد فيلق القدس (نیروی قدس) في الحرس الثوري الإيراني. ولطالما كانت النسبة التقليدية المعتادة للقوات المهاجمة لعدو في موقع دفاعي ٣:١. وبالرغم من شراسة مقاتلي داعش وإتقانهم لفنون القتال، فإنه من المرجح جداً أن لا يتجاوز عدد مقاتلي التنظيم ٩٠٠٠ شخصا، مما يعني أن سقوط المدينة ليست سوى مسألة وقت.
كسب المعركة، وخسارة الحرب؟
ففي حين أن مثل هذه الأخبار تكمن موضع ترحيب، ليست هذه مجرد قصة مدينة عراقية يغزوها مغيرون متوحشون، يتم بعد ذلك تحريرها من قبل قوة باسلة من الوطنيين العراقيين. فانهيار الجيش العراقي وتراجعه من الموصل وتكريت والفلوجة والكرمة والعديد من البلدات والمدن السنية الأخرى جاء في سياق الثورة العربية السنية الأوسع بعد أن قمعت حركة احتجاج سلمية بوحشية في ديسمبر٢٠١٣ من قبل حكومة رئيس الوزراء الأسبق ونائب الرئيس الحالي، نوري المالكي.
لم يرفض المالكي، وهو شيعي ذو نزعات طائفية معروفة، الاستجابة لنداءات المجتمع العربي السني الغاضبة لوضع حد لانتهاكات الحكومة سياساتها المعادية للسنة فقط، بل قام بمهاجمة وقتل أنصار آية الله الصرخي، وهو رجل دين شيعي يرفض التأثير الديني والسياسي الإيراني في العراق والذي أمر أتباعه بعدم الانضمام إلى ميليشيا الحصد الشعبي أيضاً، والتي رآها كقوة طائفية. هذا الجو أجبر العديد من العرب السنة الى حمل السلاح ضد الحكومة.
فهل هذا يعني بأن العرب السنة كانوا في تحالف مع داعش؟ لا على الإطلاق. فمن الحقائق المعروفة جيدا أن القوة الوحيدة المعروفة بهزيمتها الحاسمة لداعش بأشكالها المتعددة والمتكررة كانت العرب السنة في العراق كجزء من الصحوة السنية في الفترة ٢٠٠٦-٢٠٠٨. فبدلا من الإشادة بهم بأنهم المنقذين الذين دمروا ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق، تعرض العرب السنة مرة أخرى للتهميش بعد أن سبق وتلطخت سمعتهم بأنهم موالون لحزب البعث.
كثّف كل من تحالف دولة القانون التابعة للمالكي، وكتلة الأحزاب السياسية الشيعية، جهودهم في وضع السنة خارج اللعبة، كما واستخدموا قوانين كقانون مكافحة الإرهاب لملاحقتهم في العراق. وذكرت منظمة العفو الدولية، كجزء من تقرير نشرته عن العراق بعد عقد من الغزو، أن هذا القانون تمت صياغته بحيث يكون فضفاضا ليتم استخدامه للاعتقال التعسفي و بالتالي إدانة العديد من العرب السنة بتهمة الإرهاب.
وفيما تراجع العرب السنة إلى الزاوية، ومما يبدو فقد شكلوا تحالفا مع داعش التي ظهرت فجأة مرة أخرى على الساحة العراقية بعد استمدادها لقوتها من الأزمة في سوريا. تورطت جماعات مثل المجلس العسكري العام للثوار العراقيين، وهو تحالف القبائل العربية السنية التي قاتلت تنظيم القاعدة مرة، بالمشاركة في سقوط تكريت والموصل، ولكنها انسحبت من المشهد بعد نجاح داعش المتعمد في جذب الاهتمام الدولي الذي جاء في شكل ضربات جوية امريكية عندما هددت أربيل التي تقع تحت سيطرة الأكراد. ومن المرجح ذلك بعدما نجحت داعش في صبغ جميع المتمردين السنة أنهم قطع من القماش نفسه، الأمر الأبعد ما يكون عن الحقيقة. وأجبرت المتمردين، بالتالي، على القتال إلى جانبهم أو المخاطرة بالتعرض للغارات الجوية، أو التراجع (وهو ما قرروا بوضوح أن يفعلوه).
وفي الوقت نفسه، فإن أي إقليم تم “تحريره” من داعش من قبل القوات العراقية والميليشيات الطائفية شهد حتى الآن الفظائع البشعة التي يتعرض لها العرب السنة المحليين. وبعد أن استعادت حكومة المنطقة الخضراء محافظة ديالى، فإن العرب السنة الذين فروا من المناطق التي تسيطر عليها داعش إلى ما اعتقدوا بأنه حماية الحكومة في بروانة كانوا قد ذبحوا في بروانة. بالإضافة لذلك، فقد ارتكبت القوات العراقية جرائم قتل جماعي بحث سجناء عزل بينما كانت تنسحب من المدن التي لم يعد من الممكن البقاء فيها. كل هذا الكم من جرائم الحرب، سيستمر في تغذية الحرمان والغضب والرعب والخوف من الانتقام الطائفي الذي شجعته سياسات الحكومة العراقية وسمحت لداعش بالإزدهار.
لكن ما يثير للقلق بشكل متزايد هو أن هذه الأفعال ليست من الماضي البعيد، ولكنها جرائم حديثة جدا ومستمرة. فقد ظهر هادي العامري وزير النقل العراقي وقائد ميليشيا كتائب بدر الشيعية (بطريقة ما، فإن شغل منصب في مجلس الوزراء وقيادة فرقة موات لا تعتبر تضارباً للمصالح في العراق) في شريط فيديو بثته قناة الجزيرة، هدد من خلاله قبيلة عربية سنية بأكملها “البو عجيل” قائلاً بأن من خلال عدم حملهم للسلاح ضد داعش، يعتبرون بذلك الآن أهدافاً – وبعبارة أخرى، كانوا إما “مع العراق، أو مع الإرهاب”.
وقد ردد ذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي، المعروف بأنه من الشيعة المعتدلين، من قبل، الذي قد يقوم الآن بالكشف عن وجهه الحقيقي قائلا: “ليس هناك حياد في المعركة ضد داعش. اذا كان شخص ما محايداً لداعش، فهو واحد منهم “. يمكن أن النظر إلى هذا على أنه تجريم مباشر لأولئك الذين يريدون البقاء بعيدا عن القتال، وإعطاء الضوء الأخضر للميليشيات الشيعية الطائفية بقتلهم. وكما اتضح في شريط فيديو نجح نشطاء في تهريبه بتحقيق العامري لتهديده بإحراق البو عجيل بشكل كامل.
إدامة العنف
إذا قامت الحكومة العراقية باستعادة تكريت وكررت هذه الأعمال على نطاق أوسع، فإن ذلك قد يجبر كل العرب السنة المحايدين على القتال الى جانب داعش إذا كان ذلك لحماية أنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم من الميليشيات الشيعية الطائفية التي كان قد وعد العبادي بحظرها، ولكنه قام بالسماح لها بالازدهار بدل ذلك. لن تتمكن هذه الطائفية من هزيمة داعش، وإنما تمكينها، وإطعامها، والسماح لها بالنمو إذا ما عملت القبائل السنية كقوات مساعدة لهم.
سيتم بتشريع داعش عوضاً عن إضعافها من قبل الميليشيات الشيعية التي تجعل من المدنيين من العرب السنة ضحايا لها، وستصبح قادرة على الادعاء بأنها المجموعة الوحيدة التي على استعداد ولديها القدرة على حماية أهل السنة. بالإضافة لذلك، فإن جرائم الحرب والفظائع هذه من شأنها أن تسرع في تقسيم العراق على أسس طائفية تقسيماً لا رجعة فيه، مع ضمان استمرار العنف لأجيال قادمة.