أصبحت هجرة اللبنانيين إلى غرب إفريقيا بمثابة الباب الوحيد المفتوح لسكان هذا البلد المنكوب بأزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة.
ربما يعيش أكثر من 250 ألف لبناني في غرب إفريقيا. ومن المستحيل معرفة عدد الذين انتقلوا إلى هناك منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان في عام 2019، لكن الأدلة تشير إلى أن العدد كبير، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
يقول طيار من أصل لبناني يعيش في توغو إن اللبنانيين يتكدسون في رحلاته إلى غرب إفريقيا، وأبلغت سفارة لبنان في نيجيريا عن “زيادة ملحوظة” في انتقال اللبنانيين إلى البلاد.
تقول غيتا حوراني، التي تقود مركزاً يدرس الهجرة في جامعة سيدة اللويزة في لبنان، إن مكتبها تغمره المكالمات من السكان المحليين الذين يرغبون في الحصول على المشورة بشأن كيفية تعقب الأقارب في الخارج، بما في ذلك في إفريقيا.
يُذكر أنّ الأزمة التي بلغها لبنان أشار إليها تقرير أخير للبنك الدولي على أنها تُعد واحدة من أسوأ الأزمات على صعيد العالم منذ 150 عاماً.
هجرة اللبنانيين إلى غرب إفريقيا تعود إلى 150 عاماً
هجرة اللبنانيين إلى غرب إفريقيا قديمة، فقد وصل العديد من اللبنانيين إلى غرب إفريقيا في القرن التاسع عشر، ونزلوا (يقول البعض إنه عن طريق الخطأ) من السفن المتجهة إلى أمريكا.
ويقال إن هجرة اللبنانيين إلى غرب إفريقيا بدأت قبل حوالي 150 عاماً، عندما تعرض اللبنانيون لخداع من قباطنة السفن الفرنسية حيث وصلوا إلى شواطئ غرب إفريقيا ظناً منهم أنها البرازيل أو أمريكا التي جذبت عشرات الآلاف من المهاجرين اللبنانيين في ذلك الوقت.
واختلفت الروايات التاريخية حول أول مهاجر لبناني إلى غرب إفريقيا، حيث أكد مؤرخون أن غانا استقبلت أول المهاجرين اللبنانيين عام 1870، بينما يقول آخرون إن أول المهاجرين اللبنانيين كان إلياس الخوري يونس، عام 1882، الذي وصل إلى سواحل نيجيريا.
بدأ المهاجرون اللبنانيون حياتهم في دول غرب إفريقيا، بالعمل في التجارة المتجولة أو ما يسمى “الكشة” وهي صندوق أو حاوية فيه بضائع للبيع، ويستفاد منه كسرير في آخر الليل، وشيئاً فشيئاً، تطورت “الكشة” إلى محل تجاري، فمصنع ثم شركة ضخمة، وتوسعت تجارتهم إلى المواد الغذائية والأقمشة والآلات الكهربائية، مروراً بتجارة الأسماك والأخشاب والبن، وصولاً إلى الذهب والماس.
والآن وصلت الجاليات اللبنانية إلى الجيل الثالث في غرب إفريقيا، وأصبحوا يشكلون عنصراً هاماً في تلك المجتمعات بما لهم من نفوذ اقتصادي كبير.
نجاح كبير له ثمن
وأثبت الوافدون الجدد نجاحاً ملحوظاً، أولاً كوسطاء بين السكان المحليين والقوى المستعمرة، وفيما بعد كأصحاب أعمال وتجار سلع. واليوم، على سبيل المثال، يقال إن اللبنانيين يسيطرون على العديد من الشركات في كوت ديفوار التي تتعامل مع صادرات البن أو الكاكاو، حسب المجلة البريطانية.
إذ يتحكم اللبنانيون في حوالى 60% من القطاعات الاقتصادية الحيوية، في كوت ديفوار؛ بحيث يمتلكون أربعة آلاف مؤسسة من بينها 1500 مؤسسة صناعية يعمل فيها نحو 150 ألف مواطن من أهل البلاد. وهم يسيطرون على 70% من تجارة الجملة، و50% من تجارة التقسيط، و80% من شركات جمع القهوة والكاكاو وتصديرها، و17% من سيارات الأجرة، الأمر الذي حرصت قيادات البلاد المتوالية على التنويه والإشادة به، حسبما ورد في تقرير لموقع الجيش اللبناني.
قصة نجاح هجرة اللبنانيين إلى غرب إفريقيا لم تخلُ من الأزمات، إذ وجهت للبنانيين اتهامات بتحقيق مكاسب اقتصادية مبالغ فيها أو محاولة تحقيق نفوذ سياسي، ودفعوا ثمن ذلك بحيث أصبحت مؤسساتهم الاقتصادية عرضة للنهب، كلما اندلعت أحداث شغب ضد السياسات الحكومية، كما حدث في ليبيريا (1989)، وفي الغابون (1985)، ومالي (1991)، وفي السنغال (1989)، وساحل العاج (1999، 2002، 2004، 2007، 2011).
بلاد الغرب والعرب مغلقة أمامهم، ولكن إفريقيا ما زالت مشرعة الأبواب
على مدى قرن من الصراع والأزمات والمجاعة، تشتت اللبنانيون في جميع أنحاء العالم، حسب تقرير مجلة The Economist.
لكن في هذه الأيام، يجد اللبنانيون أن الحصول على تأشيرات من وجهات غرب إفريقيا أسهل بكثير من الحصول على تأشيرات من أمريكا أو الدول الأوروبية، ومن السهل الحصول على الوظائف هنالك أيضاً. يقول كريم ماكي، السنغالي من أصل لبناني، إن هناك من يعرف دائماً شخصاً لديه فرصة عمل. والعمال المهرة يحصلون على رواتب جيدة. ومعظم دول غرب إفريقيا لديها بالفعل كنائس ومساجد ومدارس لبنانية.
عندما بدأت البنوك تنهار وبدأ المحتجون يملأون الشوارع في عام 2019، قاوم موسى خوري إغراء مغادرة وطنه لبنان. وبعد انفجار هائل دمر جزءاً في العاصمة بيروت، العام الماضي، أصلح نوافذ منزله المكسورة وبقي في مكانه. لكنه في النهاية لم يستطع تحمل انهيار العملة اللبنانية. يدير خوري شركة ناشئة لبيع الخضراوات المزروعة في المزارع المائية. وكان عملاؤه يدفعون له بالليرات، في حين أن مورديه يطالبون بالدفع بالعملة الصعبة. لذا في أبريل/نيسان قبل عرضاً من أحد معارفه الذي وعده بالاستثمار في أعماله، إذا نقل خوري أعماله إلى غانا.
يخطط بعض الوافدين الجدد للبقاء لفترة من الوقت. إبراهيم شاهين، على سبيل المثال، هو مهندس ميكانيكي شاب غادر لبنان العام الماضي. يقول إن عملية الحصول على تأشيرة كندا كانت مرهقة للغاية. في حين لم يتلق الرد على طلباته لدول أخرى. لذلك عندما حصل على وظيفة في شركة يديرها لبنانيون في نيجيريا، لم يفكر مرتين. وفي غضون أسبوعين، انتقل إلى العاصمة أبوجا. وهو يتوقع البقاء فيها لمدة عشر سنوات.
وبالنسبة لموسى خوري فهو ليس متأكداً. فقد كان يأمل في استخدام شركته الناشئة لتعزيز الإنتاج الزراعي في لبنان، والذي يستورد حالياً جميع المواد الغذائية تقريباً.
وبدلاً من ذلك، يبني الصوب الزراعية في أكرا، عاصمة غانا، بهدف بيع سلال من الكرنب والكراث والخس لمتاجر السلع الغذائية والمطاعم والفنادق المحلية. ويخطط لقضاء عام على الأقل هناك. لكن عائلته الكبيرة عادت إلى لبنان. وقد أبقى أعماله مفتوحة هناك. وهذا بسبب الحنين، كما يقول، وليس الأرباح.
________________________________