أعلن رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان الخليفة مؤخراً أنّ تغيير مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد “هدف محتّم” في حوار المنامة لهذا الشهر (9-11 كانون الأول/ديسمبر) وذكر “مشاكل أمنية وتحديات اقتصادية ومسائل جدية أخرى تواجهها المنطقة.”
في عام 2013 خلال القمة في المنامة، أطلقت السعودية والبحرين دعوات لتشكيل اتحاد. ولكنّ وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي بن عبد الله قال إنّ مسقط لن تدعم هذه الخطط. وضمّت الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة صوتها إلى عُمان في عدم مساندة الحلم السعودي. وأعلن وزير شؤون البرلمان البحريني غانم البوعينين الشهر الماضي أنّه شعر أنّ “الدول الخليجية الأخرى أبدت حماسة لفكرة الاتحاد” ولكنّه لم يتوهّم أنّ عُمان التي تُعتبر الدولة العضو الأكثر استقلالية في مجلس التعاون الخليجي قد غيّرت موقفها. مع ذلك، هل توقعات البوعينين في أن تدعم الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة الاتحاد واقعية؟ يمكن تفهّم التهكم المحيط بهذه الفكرة، فالعديد من غير السعوديين في مجلس التعاون الخليجي يعتبرون السعودية حليفاً مهماً ولكنّهم أيضاً يدركون أنّ المملكة الغنية بالنفط جارة متطلّبة لا تحترم سيادة الدول الخليجية الأخرى دائماً. وبسبب مجموعة من المسائل المحلية الخليجية والتطورات الإقليمية التي تراها العائلات الخليجية من منظار مختلف، قد يدرك المسؤولون البحرينيون والسعوديون أنّ خطتهم لإنشاء اتحاد لا تلقى آذاناً صاغية.
أمّا الحجة التي يقدّمها مسؤولو الدولتين لنظرائهم في الدول الخليجية الأخرى، فهي أنّ عدم الاستقرار المتزايد في الشرق الأوسط والأزمات الأمنية المتأزمة منحت مجلس التعاون الخليجي أسباباً لوضع مقاربة جماعية لدرء التهديدات الخارجية. ولكن لإقناع الكويتيين والقطريين والإماراتيين بأنّ الوقت قد حان لاتحاد، يجب على حكّام المملكات الأصغر الاقتناع بأنّ المساومة على التحرّر السياسي وتقبّل استقلال أقلّ عن الرياض والتخلّي عن خطط منافسة السعودية على النفوذ الإقليمي تستحقّ منافع تعاون أمني أوثق.
تُعتبر الكويت الدولة الخليجية التي تتمتع بالحياة السياسية والمؤسسات الديمقراطية الأكثر حيوية. بالتالي، يعود رفض الكويت لفكرة الاتحاد إلى مخاوف بشأن “إجراءات الأمن الجماعي” التي قد تتّبعها المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى من أجل إسكات المعارضة والنشاط في الكويت. ستحضر الانتخابات المبكرة التي أُجريت في الكويت الشهر الماضي أعضاء برلمانيين من المعارضة المؤلفة من الليبراليين والإسلاميين الذين لا تسمح لهم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى باحتلال أيّ موقع سلطة في أنظمتها السياسية. في حين يفتخر العديد من الكويتيين بديمقراطيتهم وشفافيتهم وانفتاحهم النسبي، قاومت أصوات عديدة في الطيف السياسي في البلاد مفهوم الاتحاد.
تملك قطر التي هي أهمّ دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد في دول مجلس التعاون الخليجي (والعالم). ويقلق احتمال وجود اتحاد يعيد توزيع الثروة من الدول الأكثر ثراء في الخليج العربي إلى المناطق الأقلّ حظوة في دول مجلس التعاون الخليجي قطر بشكل رئيسي. وعلاوة على ذلك، على مر السنين، أنشأت الدوحة علاقات مع الفصائل الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، واستضافت العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وكان ذلك في كثير من الأحيان يتم على حساب علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. إذا كانت قطر ودول خليجية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة التي تصنّف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة “إرهابية” تنتمي إلى اتحاد، ماذا سيكون مصير الشيخ يوسف القرضاوي وغيره من الشخصيات الإسلامية البارزة الذين يعيشون في الدوحة؟
عارضت الإمارات العربية المتحدة خطط تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد. وبما أنّ الإماراتيين يعتبرون أنفسهم منافسين للسعودية على دور بارز في القطاع المالي في المنطقة، لن تقدّم أبوظبي الدعم لبنك خليجي مركزي مقرّه في الرياض. ففي الإمارات العربية المتحدة حيث تقمع السلطات الإسلاميين، لطالما ساد اعتقاد بأنّ الإخوان المسلمين يديرون عملياتهم في الإمارات نيابة عن السعودية وقطر بغية الحدّ من السيادة الوطنية للإمارات واستقلالها.
ولكنّ النفوذ الأكبر بيَد إيران. ويزداد اهتمام عُمان بتوثيق علاقاتها بإيران في القطاعات التجارية والدبلوماسية وفي الطاقة والأمن ويُعتبر هذا عاملاً بارزاً وراء معارضة عُمان للاتحاد الذي سيؤثر لا محال على علاقات السلطنة بإيران. بالنسبة لكويت وقطر اللتين لديهما علاقات طبيعية نسبياً بإيران، يتمتّع قادتهم بنظرة مختلفة على الجمهورية الإسلامية بالمقارنة مع المسؤولين السعوديين والبحرينيين. ونظراً للعلاقات الملكية القطرية والكويتية الوطيدة مع الشيعة في بلدانهم الذين يعلنون ولاءهم لآل صباح في الكويت ولآل ثاني في قطر، لم تُثر تهديدات ثورة شيعية تحضّ عليها إيران توترات طائفية ملحوظة في الكويت منذ نهاية حرب الخليج الأولى كما أنّها لم تحرّك أي مخاوف في قطر بعد وصول آية الله روح الله الخميني للسلطة عام 1979. وتتناقض هذه النظرة مع نظرة السعودية والبحرين المرتكزة على اعتبار إيران دولة انقضاضية تريد الإطاحة بآل سعود وآل خليفة من خلال ثورة شرسة. وقد تقرّبت المملكتان بسبب نظرتهما المشتركة حول الجمهورية الإسلامية كخطر وجودي لهما وبالتالي عبّرت البحرين عن دعمها الثابت لاتحاد الأمر الواقع الذي ستقوده السعودية.
اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي الأقلّ تأثيراً آراء مختلفة من نفوذ إيران المتزايد في منطقة الشرق الأوسط وحدّت رهاناتها عبر المحافظة على تحالفاتها مع الرياض وعلى “وضع جيد” في المجلس مع استكشاف احتمالات علاقة أكثر طبيعية مع طهران. وعلى الرغم من أنّ أياً من الدول قد خطت خطوات عمان في اعتبار إيران تاجراً للغاز الطبيعي، قد يزداد زخم خيار استيراد الغاز الإيراني إذا بقيت الدول مستقلّة نسبياً عن المملكة العربية السعودية في إطار المجلس (وليس الاتحاد) وطالما تعزّز عللها الاقتصادية مصلحتها في استيراد المزيد من الغاز الطبيعي. ولكنّ الاتحاد سيتكفّل بتبديد أي خطط كويتية أو إماراتية واقعية لتوقيع عقود غاز مع ايران.
مما لا شك فيه، منذ عام 2013، ظهرت تهديدات جديدة لأمن دول مجلس التعاون الخليجي. وقد قاد صعود الدولة الإسلامية السريع، وازدايد نفوذ إيران إثر الاتفاق النووي والحرب في اليمن العديد من الدول في التعاون الخليجي إلى الاعتقاد أنّ اتحاد دول الخليج سيعزّز أمنها الجماعي. وعلاوة على ذلك، في ضوء فوز دونالد ترامب، هناك مخاوف كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي بشأن التزام الولايات المتحدة على المدى الطويل بوعودها كضامن لأمن المجلس. وفي هذا السياق، يبدو من المرجح أن أعضاء من دول مجلس التعاون الخليجي ستسعى وراء وحدة وتماسك أكبر في مواجهة التهديدات الإقليمية والمتغيرات المجهولة المحيطة بمستقبل السياسة الخارجية لواشنطن.
مع ذلك، تشكّل الساحات السياسية المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجي والسياسات والطموحات الإقليمية الخارجية مصدر قلق مشترك حول تأثير السعودية المهيمن على الدول العربية الأصغر كما أنّ الواقف المختلفة تجاه إيران ستحدّ من رؤية الرياض والمنامة لاتحاد في المستقبل القريب. مع ذلك، حتى لو فشل السعوديون والبحرينيون في حشد دعم في الكويت والدوحة وأبوظبي لتحويل المجلس إلى اتحاد، سيبقى هذا الاحتمال شائعاً بين الدول الخليجية في ظلّ الأزمات الأمنية التي يعيشها الشرق الأوسط ومع ازدياد النفوذ الإيراني.
________________________________