داعش vs إسرائيل؟

 نشر تنظيم الدّولة الإسلامية المعروف ب “داعش” قبل أيامٍ فيديو بعنوان “فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ”، لإعدام شابٍ عربي مقدسي بتهمة العمالة، حيث ظهر الشّاب “محمد سعيد إسماعيل مسلم” البالغ من العمر 19 عاماً، بلباسٍ برتقالي اللون إعتاد “داعش” إلباسه لمعتقليه. وذلك في فيديو مدّته عشر دقائق، ذو جودةٍ عالية، مصوّر كما العادة، بكاميراتٍ عالية الدّقة، وطريقةٍ إحترافيةٍ تشتهر فيها فيديوهات التّنظيم.
وقد نشر تنظيم “داعش” في عدد الشّهر الماضي من مجلّته الشّهرية “دابق”، مقابلةً مع الضّحية “محمد مسلم” زعم أنّها مقابلةٌ مع عميلٍ إسرائيلي من أصلٍ عربي، قبل أن ينشر التّنظيم فيديو لإعدامه، ويظهر في الفيديو شخصان، هما رجلٌ وطفل يحملان الجنسية الفرنسية بحسب مصادر في الإستخبارات الفرنسية، حيث أن الرّجل، والذي تحدّث في الفيديو باللغة الفرنسية مهدّداً إسرائيل ومتوعّداً بتنظيف القدس من “القذارة” التي فيها، له صلات وئيقة بأحداث كانت قد حدثت سابقاً في فرنسا، لا سيما الإعتداء على المدرسة اليهودية في العام 2012، لدرجة أن أحد المصادر الأمنية أشارت إلى أن الطّفل الظّاهر في الفيديو يشبه إلى حدّ بعيد هو إبن شقيقة محمد مراح، سعاد، ومراح كان قد قتل 7 أشخاصٍ في هجومٍ سابقٍ نفذه في فرنسا في آذار ال 2012.
وزعم التّنظيم أن “محمّد مسلم” أرسله الموساد لإختراق تنظيم “داعش” وجلب معلوماتٍ عن مخازن سلاح التّنظيم، قواعده العسكرية وأسماء قياديّيه وشخصياته البارزة، كما جلب قائمةٍ بأسماء حملة الجنسية الفلسطينية في التّنظيم بغية الضّغط لاحقاً على ذويهم، حيث أظهر الشّاب الفلسطيني وهو يقول: “دفعوا لي معاشاً شهرياً وصل إلى 5000 شيكل، وأعطوني بيتاً، وتابعوا جميع الأمور التي واجهتني وساعدوني في الحصول على جميع المستندات التي كنت بحاجة إليها”.

  أما الملفت في الفيديو، فكان إستخدام “داعش” لطفلٍ يبلغ من العمر قرابة 10 سنوات، للمرة الثّانية في تنفيذ عملية إعدام لرهينة، حيث نشر التّنظيم مسبقاً فيديو لإعدام رهينة نفّذه طفلٌ يحمل الجنسية الأوزباكستانية، وإختيار إبن شقيقة محمد مراح لم يكن عبثياً، حيث أن التّنظيم إختاره لتنفيذ عملية إعدام الشّاب الفلسطيني في شهر آذار تحديداً لتزامن التّاريخ مع العملية التّي نفّذها محمّد مراح منذ سنوات في فرنسا، بهدف توجيه رسالة مزدوجة للعالم، أن التّنظيم وُلد منذ زمن وليس لحظة إعلانه، وأنه قادرٌ على الضّرب والتّخريب في أي مكانٍ من العالم، حيث يظهر ذلك من خلال فيديوهاته التي تٌنشر بلهجات متعدّدة، كان أبرز وجوهها، الجهادي جون، والذي إتضح لاحقاً أنه بريطاني من أصلٍ كويتي يدعى محمّد موازي. أمّا الرّسالة الثانية، فكانت أن التّنظيم لا ينسى عناصره حتّى لو قتلوا منذ زمن، وأنّه ينتقم لهم، لا بل ويربّي أبناءهم على مسيرتهم، فظهور إبن شقيقة مراح كان مقصوداً لإيصال ما مفاده أن “داعش” ليست أفراداً بل مبادئ تتشرّبها مجتمعات، وأن الرّسالة يحملها الأبناء بعد الآباء، رسالة داعش وُجّهت لعناصرها وعائلاتهم، من ثم للغرب ومجتمعاته.

    كما دأب التّنظيم على نشر فيديوهاتٍ لأطفال يتدربون على الأعمال القتالية، ولمشاهد من دوراتٍ عسكرية يخضع التّنظيم الأطفال لها بغية تحضيرهم لأي إشتباكٍ أو حربٍ مقبلة، كالتّمرينات البدنية وإستخدام الأسلحة، أبرزها فيديوهات “دماء الجهاد”، وهي سلسلة تعرض جمع داعش لعدد من الأطفال الذين أسماهم التّنظيم “أشبال الخلافة”، يتلقّون تدريبات لياقةٍ بدنية، وتعليماتٍ على كيفية حمل السّلاح.

 إذاً، فإستخدام تنظيم “داعش” للأطفال لا يعدّ بريئاً، بل رسالةً واضحةً منه للرأي العام العالمي، تكاد تشبه رسائله الكثيرة، بأن شعار “باقيةٍ وتتمدد” لا يعني العوامل الجغرافية فقط، بل يتعداها لبلورة فكرٍ وإيديولوجيةٍ جديدة تحكم مناطق سيطرتها لأجيالٍ لاحقة. سيطرةٌ تصل لثلاثةِ أجيالٍ قادمة على الأقل. يعمل التّنظيم على بناء قدراتٍ أكبر قد تخدم مشروعه، فبعد نجاحه في التّأسيس لإقتصادٍ قوي وممنهج، كما فرضه لنمط حياةٍ معيّن في الرّقة والموصل وغيرها، وأنظمة تعليمٍ يمنع فيها أي شيءٍ قد يعادي توجهاته، يعمل على بناء جيشٍ عقائديّ، لا عساكر مأجورة أو مرتزقة، جيشٌ يقاتل العنصر فيه حتّى الموت في سبيل قضيته المركزية، أي بناء الدّولة الإسلامية الحلم بالنّسبة لهم. فالطّفل ذو العشر سنوات الظّاهر في الفيديو، أو الذي ظهر سابقاً، هم مشاريعُ جذب، إستقطاب، تجنيد، تشجيع ولاحقاً تأهيل أطفالٍ آخرين، خاصةً أن الطّفل ميّالٌ بطبيعته للإنجذاب نحو أصحاب أدوار البطولة، كيف إذا ما كان البطل طفلاً مثله، يحمل سلاحاً ويطلق النّار على رأس رهينته بلا خوفٍ أو تردّد.
هذا ويواصل التّنظيم فرض هويته على مناطقه، حتّى يكاد يرفع شعار “التّاريخ يبدأ من عندي”، فيدمّر إرث وآثار حضاراتٍ سابقةٍ كما فعل في متحف “الموصل”، ومدينتي نمرود والحضر الأثريتين، نازعاً عن الحضارات ما تبقّى من تاريخٍ قد يحفظ ذكرها، تاريخٌ إمتدّ لأكثر من 9000 عام. لا تتوقف جرائم التّنظيم عند التّدمير، تفجير الدور الدينية من مساجد، مراقد، مزاراتٍ وكنائس. تهجير شرائح مجتمعيةٍ بكاملها، حيث هجّر الإيزيديين وحاصرهم في جبال سنجار بلا ماء أو غذاء، مبيداً المئات منهم، وطرد مسيحيي الموصل، فجّر وهدّد الأقباط في مصر، هاجم قرى الأباضية والشّبك والآشوريين. كما قام ببث مشاهد إحراقٍ للبشر، كما فعل مع الطّيار الأردني “معاذ الكساسبة”، وتتعدى جرائم تنظيم “الدولة الإسلامية”، داعش، البربرية لتصل إلى طمس تقاليد وأعراف مجتمعية تربّت مجتمعاتنا عليها، وإبدالها بتعاليم يدّعي التّنظيم أنّها دينية، في حين أنّها لا تمتّ للدين بصلة، وإن لامسته في بعض المواضع. يستخدم التّنظيم الدين خدمةً لمصالح، فيقطع الرّؤوس ويسلخ الجلود، يحرق البشر ويكسّر الحدود تحت شعار “الله أكبر”، وينشر من حيث يقصّد او يهدف مشغّلوه، حالة كرهٍ للإسلام، ودافعاً لتزايد وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، والشّرق حتّى.

   في حين يطرح سؤالٌ نفسه، هل كلّ من يحمل الجنسية الإسرائيلية من عرب ال 48 يعتبر عميلاُ بالنّسبة لتنظيم “داعش”؟ أم أن التّنظيم برسالته قد هدف لإبعاد التّهم عنه بأنه أداةٌ موسادية؟ أم أن الموساد هو نفسه من ضحّى بأحد عملائه بهدف تبييض صورة “داعش” وإظهاره بمظهر الفاتح المستقبلي للقدس، لعلم “داعش” ومن خلفها بأن القضية الفلسطينية، والقدس خاصةً تعدّ أحد أهم العوامل العاطفية التّي قد يُجمع عليها الشّرق العربي والإسلامي؟، حتّى تسمية “الدّولة” التي تطلق على التّنظيم، هل هي بريئةٌ أم تمهيدُ للتعامل معه كدولةٍ موجودةٍ ذات حدود، إقتصاد ونفوذ؟

أحمد م. ياسين

أحمد م. ياسين إعلامي وخبير سياسات تخطيط إستراتيجية إعلامية، لبناني، ولد في العام ١٩٩٠، بدأ رحلته في عالم الصحافة منذ العام ٢٠٠٧ عبر التّدوين ومدونته “لبناني”، ومقالاتٍ لاحقة في صحف عديدة كالسفير، الأخبار، البلد، الجريدة والنّهار.

من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام الكوكيز. المزيد من المعلومات

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

إغلاق