عقدت فورمينا أول مؤتمر لها يوم الأربعاء الموافق ٢٥ فبراير في بروكسل والذي استضاف كلاً من الدكتور فواز جرجس – استاذ العلاقات الدولية وسياسة الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد و السياسة. وحضر المؤتمر ما يقرب من حوالي خمسين شخصاً، كان من بينهم أعضاء في البرلمان الأوروبي والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وحلف شمال الأطلسي ومراكز البحوث والأكاديميين والصحفيين استمعوا لعرض الدكتور جرجس بعنوان: “داعش والمرحلة الجهادية الثالثة”. هذا وقام الدكتور جرجس، على مدى ما يزيد عن ساعة، بعرض سلسلة من التفسيرات القوية جداً حول التهديد الجديد الذي يحيط بالمنطقة والعالم والذي بدوره يؤثر على حياتنا اليومية.
وأوضح الدكتور جرجس الأسباب وراء ولادة داعش والذي جاء تأكيداً على أن “وحش داعش” هو قبل كل شيء تهديد بأهداف محلية لا عالمية. وشملت هذه الأسباب الطائفية الدينية المتأججة منذ فترة طويلة في المنطقة، وانهيار عراق صدام حسين في عام ٢٠٠٣ وهيمنة قوة الأقلية في سوريا. وبالإضافة لذلك، فإن أخطاء الولايات المتحدة المتعددة كانت العوامل المساهمة التي فاقمت مشاعر الإحباط المحلية، وأدت إلى انقسام تنظيم القاعدة في المنطقة إلى عدة فصائل صغيرة (كما تنبأ فواز جرجس منذ عشر سنوات)، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في الشرق الأوسط التي تسببها القوى الاستبدادية من احتكار واختطاف لثروات المنطقة ومواطنيها، وهشاشة المؤسسات والدول منذ اتفاقية سايكس بيكو التي فرضت التغييرات الحدودية في منطقة الشرق الأوسط منذ قرن.
وتابع الدكتور جرجس موضحاً أن داعش، والتي تملك الآن مقومات الدولة، بدأت من لا شيء: فقد كان قائد المجموعة، البغدادي، مسؤلاً عن ٢٠٠ إلى ٣٠٠ رجلاً قبل بضع سنوات. لكنه اليوم يحكم السكان المنتشرين بين سوريا والعراق والمقدّر عددهم بحوالي ٦ ملايين نسمة. وتتمتع داعش الآن بموارد هائلة ليس فقط من عائدات النفط، وإنما من الفساد المستشري في الإدارات المحلية أيضاً – التي بدونها لا يمكن أن تكون الدولة الإسلامية قادرة على فرض نفسها. ومع ذلك، يتوقع جرجس أن تحمل داعش بذور تدميرها والقادرة على إدارة مواردها على المدى القصير فقط -٦ أشهر في أسوأ الأحوال، لسنتين في أحسن الأحوال. هذا من غير المرجح أن يكون ذلك كافياً للحفاظ على “الإمبراطورية” والتي تحتاج كميات ضخمة من المال والموارد لدعم أعداد الجبهات والمعارك الكبيرة التي تشارك فيها: ضد الأكراد والشيعة والمسيحيين وضد عدد الدول الغربية المدرجة في تحالف مكافحة داعش بالإضافة لدول عربية مثل مصر والأردن، الخ
في الواقع، فإن داعش تمثّل تبلور إحباطات العالم العربي على مر العقود أكثر من كونها حركة دينية أو ثقافية، بالنسبة للدكتور جرجس. والتي تهدف بالطبع في هدم الحدود المعرّفة من قبل القوى الاستعمارية الغربية في إطار اتفاقيات سايكس بيكو في عام ١٩١٧، أكثر من تدمير إسرائيل أو اعادة احتلال القدس. في حقيقة الامر، فإنه استيلاء داعش على الأماكن الإسلامية المقدسة في المملكة العربية السعودية وغيرها هو أمر أكثر منطقية بالنسبة لها. وكرد فعل على الانشقاقات الحالية، لا يمكن لداعش أن تستمر على المدى الطويل. و في حين أن الدكتور جرجس، كأي شخص آخر يتوقع الأسوأ بالنسبة لسوريا والعراق وعلى اطلاع على المأساة الآخذة في الانتشار، يتخيل سقوطها – داعش – عوضاً عن توحدها. وبالطبع، فقد تعاني نفس مصير تنظيم القاعدة، وهو تركيز الولايات المتحدة الكبير على “الحرب على الإرهاب” منذ ١١ سبتمبر ٢٠١١. فمع تقلص قدرة تلك المنظمة بشكل كبير، هل ستكون داعش الخطوة التالية؟