مقالة بقلم جانلوكا سوليرا والبروفسور ليديا لو سكيافو، مؤسسا جمعية ميدان، تم نشرها كمساهمة في قسم جديد ضمن موقع الكتروني الجمعية يضم قصصاً وتعليقات وصوراً وتقاريراً تصف حالة العيش تحت الجائحة وتأثيرها على القضايا المتعلقة والمهمة لميدان
***
كيف حرك فيروس كورونا جذور الديمقراطية؟ ، سيُرد عليك بجواب جاهز وموحد عند طرح أي نقاش أو تساؤل حول تأثير فيروس كورونا على الأنظمة السياسية، يتضمن الجواب إشارةً واضحةً الى المخاطر التي ظهرت مع حالات الطوارئ الصحية العالمية، مما يجعل معارضة أي رأي عملية صعبة.
وهو ما سمح باستفراد رئيس وزراء المجر بالقرارات والتحذيرات حول فيروس كورونا ليدير البلاد مع الحصول على صلاحيات إضافية وسلطة كاملة لفترة غير محددة يسيطر فيها على جميع المؤسسات بما في ذلك دور النشر ووسائل الإعلام مضطهداً جميع من ينشرون على حد تعبيره “بيانات كاذبة أو مشوهة” بحق الإجراءات الحكومية.
أما الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي فوجه الأوامر لسلك الشرطة بإطلاق النار على كل من يتسببون بأي نوع من المشاكل لقواعد الحجر الصحي.
أما روسيا التي أخفت وفيات المرض الأولى بالإعلان على أنها حالات إصابة بالتهاب الرئة قبل أن يتحرك نظام فلاديمير بوتين لفرض قيود صارمة على الحركة وفرض عقوبة تصل إلى خمس سنوات من السجن على المدانين بنشر معلومات كاذبة حول الفيروس، كما اعتقلت السلطات الروسية رئيس (تحالف الأطباء وهو اتحاد نقابي مستقل) أليكسي نافالني المعارض للكرملين
تتناظر هذه الأنماط من التلاعب المنهجي بعدد الوفيات الناجمة عن الوباء في الصين كذلك، حيث تتكلم تقارير عن إعادة 42000 جرة موتى إلى أسرهم في ووهان يوم احتفال تشينغمينغ في يوم 4 أبريل
في الجهة الأخرى من المحيط ستجد أثرياء الولايات المتحدة يحصلون على أفضل علاج في العيادات الفاخرة أو يحلقون بطائراتهم الخاصة إلى منتجعات آمنة، في حين لا تتوافر الرعاية الصحية الشاملة للشعب الأمريكي، فالولايات المتحدة الأمريكية هي البلد المتقدم الوحيد الذي لا يقدم رعاية صحية للجميع كما ويفتقر للمعايير الوطنية بشأن الإجازات المرضية المدفوعة، وهوما يندر بين الدول الصناعية أضف إلى ذلك العدد القليل من أطباء الرعاية الأولية والأسرة في المشافي، جميعها عوامل تجعل توقعات تأثير الفيروس عليها مظلمة.
تقلصت مساحة الحريات في البلدان العربية مع تقييدات الحركة، التي زادت من ثقافة الخوف والقمع المتبعة من قبل الأنظمة مع إثارتها لنظريات المؤامرة ففي مصر أجبرت سلطات الرئيس عبد الفتاح السيسي صحفية بريطانية إلى مغادرة البلاد بعد أن قدمت تقريراً تشكك به بحصيلة مصر من الوفيات أما في الأردن فقط سبب حظر التجوال الشامل حالة من الفوضى وأدى إلى حبس الأشخاص في منازلهم عدة أيام بدون طعام
______
جميعها أمثلة مثيرة للقلق عن تزايد الانغلاق وبطش الاستبداد والظلم الاجتماعي طويل الأمد، وتستر وتضليل الحكام المستبدين، لكن إن نظرنا إلى نصف الكأس المملوء سنجد أن – في حال أزمة صحية طويلة – تناقضات النظم السياسية وقمع المعارضة والسرية وغيرها ستتنبأ بانهيار الأنظمة غير الديمقراطية، كما ستعاني الأنظمة الديمقراطية من آثراها.
غالباً ما يظهر نمطان استثنائيان في أوقات الأزمات كالأزمة التي نمر بها اليوم، الأول هو تضامن الجوار وهو تكافل الناس ومساعدتهم بعضهم بالإضافة تزايد المساحة من المناقشة الصريحة والآراء المشتركة والنقد المعقول، فلا يوجد حاجز يمنع الناس من مساعدة بعضهم بعضاً، فالبشر سيجدون طريقة دائماً
ازدادت المبادرات الطوعية في إيطاليا بشكل كبير على سبيل المثال صنعت راهبات الأديرة أقنعة مجانية تقدم للمواطنين، في حين قامت مبادرة أخرى بطرح فكرة تسوق فريدة تقوم على شراء ضعف ما تحتاجه أو أكثر مما تحتاج وترك الكميات الإضافية في المحل أو في الشارع للأشخاص الغير قادرين على شراء الطعام.
في حين أعطت البرتغال تصريح إقامة للمهاجرين تسمح لهم بالوصول لنظام الرعاية الصحية في الدولة وخدمات الضمان الاجتماعي، لقد حررنا الفيروس من ثقافة المنافسة الفردية وحقننا بطاقة غير اعتيادية أعادت لنا أشكالاً من التضامن الذي يشكل العمود الفقري للديمقراطية وروح العقد الاجتماعي بين المواطنين الأحرار.
أما النمط الثاني فهو انتقام الحقيقة لكل ما يتعلق بتسطيح المعرفة والأخبار الكاذبة، فقد أعاد الفيروس للحقيقة والعلوم مكانتها ويتم اليوم الاستماع للعلماء المؤهلين واحترامهم بين العوام وفي المنتديات السياسية فلم يعد يتقبل الناس العيش في ضباب المعلومات المتناقضة والمختلفة وغير المؤكدة كما يحدث بخصوص مؤامرات وأكاذيب تغير المناخ واتهامه بأنه خدعة والإنكارات المستمرة للروس بخصوص تدخلهم بالانتخابات في جميع أنحاء العالم، يتزامن ذلك مع غمر الإنترنت بجميع الأخبار المفكرة التي تشوه حقائق الحروب الإقليمية في سوريا أو اليمن، اليوم يطلب الناس الحقيقة.
El país كما قال الكاتب مونيوز مولينا في صحيفة
” كان علينا أن ننتظر كارثة كالتي نعانيها اليوم لنملك الشجاعة والحاجة الملحة والأهمية العميقة للمعرفة المؤكدة والدقيقة ولنسعى لفصل الحقائق عن الخداع والوهم “
أما عن السطحية التي أظهرها رئيس البرازيل جايير بولسونارو بإشارته للفيروس على أنه نزلة برد خفيفة جعلته يفقد مصداقيته بشكل كبير وبسرعة مذهلة، فتجاهله للتهديدات وقلة كفاءته جعلت منه إمبراطور روماني مهووس جديد للشعب البرازيلي، على أمل ألا يتضرر الشعب البرازيلي كما حدث للشعب الإيطالي قبل موته السياسي.
______
تواجه ديمقراطياتنا تحدياً كبيراً للنجاة من هذه الجائحة، وتخطي العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فعلى الحكومات الديمقراطية بذل قصارى جهدها لتلبية مطالب المواطنين جميعاً وضمان حقوقهم وحماية معيشتهم وحياتهم وعملهم.
كما لقنت هذه الجائحة الديمقراطيات درساً بنقاط واضحة في رعاية المجتمعات، فلا يمكننا النجاة كمجتمعات بدون “رعاية” أو بدون توفير “الصحة” للجميع، وتعبيراً عن ذلك بشكل أدق ” خير مشترك للجميع ولكل شخص”
كما أنه لا يمكن لعجلة الاقتصاد أن تدور بدون خدمات الأنظمة الصحية العامة والتعليم والأجور اللائقة للعمال، فقد أظهر لنا الإغلاق حول العالم قيمتنا في نظام الرأسمالية التي تسعر كل شيء ولا تعطي قيمة لأي شيء – مقتبسا ما صاغها أوسكار وايلد – مما التأكيد أنه لا يمكن للرأسمالية البقاء على قيد الحياة دون “رعاية الدولة”.
على الحكومات الاستجابة للأزمة الاقتصادية كتلك التي حدثت في عامي 2007 و2008 فالجائحة ضربت الاقتصاد الحقيقي من ناحيتي العرض والطلب وهناك حاجة ضرورية إلى الاستثمارات العامة وتدخل الدولة للتغلب على ما يبدو أنه ” ازمة الرأسمالية الثلاثية وهي الأزمة الصحية التي تسببها الجائحة والأزمة الاقتصادية اللاحقة وأزمة المناخ التي يجب استيعابها دون مزيد من التأخير.
لقنتنا جائحة فيروس الكوفيد_19 درس تربوي وعملي متناقض ومليء بالمشاكل يتعلق بالجوانب المظلمة لتأثير النيوليبرالية على الحقوق الاجتماعية والمسارات الممكنة للتغلب على الطابع الاستغلالي للنظام الرأسمالي للمجتمع والطبيعة.
لكنه علمنا أيضاً كيف نحيي المجتمعات الشعبية فالحركات النسوية كحركة ني أونا مينوس التي تأسست في الارجنتين عام 2015 والحركات البيئية، وحركات السكان الأصليين، ومنظمات المجتمع المدني الملتزمة بالدفاع عن التنوع البشري والإيكولوجي قد تجد اليوم وسيلة تعبئة جديدة لتقديم بديل ديمقراطي حقيقي، فقد تعالت الطلبات لتوفير الراتب الاساسي للعمال خلال فترة الحجر الصحي في حالة فقدان وظائفهم بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية واللاحقة مع نهاية الجائحة.
تظهر اليوم “الإيكولوجيا السياسية” كأكثر الطرق واعدة بتوقع المستقبل فاستغلال الموارد الطبيعية أو تغير المناخ أو تغيير النظم البيئية هي الأسباب الحقيقية لتطور فيروس كورونا وعلى ما يبدو أن أوبئة جديدة ستكون في طريقها إلينا إن لم نقلل الأثر البيئي على الأرض ومواردها.
لكن بالنظر إلى العوامل الإيجابية سنجد أن توجه منصات تكنولوجيا المعلومات وأجهزة الإنترنت لدعم العمال والطلاب والشركات خلال هذه الأيام هو فرصة لاستعادة السيطرة على المعلومات وتحررها لتكون ملكاً للعوام ويُنظر لها كالخير العام.
أظهرت هذه الأزمة العميقة أن كلا السيناريوين، البائس ذو الحل الاستبدادي واليوتوبي الذي سيعيد الديمقراطية موجدان على الطاولة، وسيظهران طبقاً للأسلوب الذي ستعتمده الدول الديمقراطية لمعالجة هذه الأوقات العصيبة، لكن الأمر سيكون أيضاً على عاتق النشطاء والحركات الاجتماعية والمنظمات المجتمعية التي عليها إنشاء منصات تعبئة عالمية أثناء الإغلاق، في ظل الظروف الصعبة من الانفصال المادي والاتصال عبر الانترنت تمهيداً لاستعادة وصولهم للأماكن العامة.
كما أكد الاقتصادي غايل جيرو: ” سنجد في إعادة الهيكلة الاقتصادية بعد الخروج من هذه الجائحة فرصة غير متوقعة لتنفيذ التحولات التي بدت حتى يوم أمس غير واردة لأولئك اللذين يتطلعون إلى المستقبل بمرآة خلفية من العولمة المالية، نحن اليوم بحاجة إلى إعادة تصنيع خضراء مصحوبة بإعادة توطين جميع أنشطتنا البشرية
________________________________