رغم التقدم الذي حققه الدبلوماسيون السعوديون والعراقيون خلال لقائهما في مارس الفائت في الرياض بالاتفاق على وقف التصريحات العدائية بينهما وعلى انشاء مجلس تنسيقي مشترك لبحث الملفات العالقة وتطوير العلاقات بين البلدين، الا ان الرياض مازالت تشعر بتردد بالغ في المضي قدما نحو التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين نتيجة القلق السعودي من تعاظم النفوذ الإيراني داخل العراق وعجز الحكومة العراقية عن إتمام سيطرتها الكاملة سلاح المليشيات الشيعية في العراق.
قال رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في البرلمان العراقيّ عبد الباري زيباري في ردّه على سؤال لـ”المونيتور” بـ9 نيسان/إبريل الحاليّ عن موقف بلاده من زيارة وزير الخارجيّة السعوديّ عادل الجبير لبغداد انه منذ بداية العمليّة السياسيّة في العراق (2003-2005) وعلى كلّ المستويات بما فيها الرئاسات الثلاث، أبدى المسؤولون العراقيّون الذين زاروا الرياض رغبتهم في إقامة علاقات طيّبة مع المملكة العربيّة السعوديّة. وأضاف أنه خلال اللقاءات، فهم العراقيّون أنّ هناك تردّداً من السعوديّة في تطوير العلاقات لأسباب محدّدة لديها. ورأى أنّ الإدارة الجديدة للبيت الأبيض لديها توجّه لإعادة النظر في سياسات الإدارة السابقة ولذلك، أصبحت ترى ضرورة التقريب بين حلفائها في المنطقة. وأضاف أنّ لها دوراً كبيراً في إتمام الزيارة الحاليّة. وأشار إلى أنّ المجتمع العراقيّ، خصوصاً في المحافظات الجنوبيّة، ميّال إلى تحسين علاقاته مع الدول العربيّة، لا سيّما الخليج.
وكانت العلاقات السعوديّة – العراقيّة شهدت تحسّناً ملحوظاً، على أثر زيارة عادل الجبير لبغداد في 25 شباط/فبراير الفائت، التقى خلالها رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك ، الذي عقده مع نظيره العراقيّ إبراهيم الجعفري في بغداد، قال الجبير: تتطلّع المملكة العربيّة السعوديّة إلى بناء علاقات مميّزة بين البلدين الشقيقين. المملكة العربيّة السعوديّة والعراق جزء واحد، وهناك مصالح مشتركة عديدة سواء في مواجهة الإرهاب أو في فرص الاستثمار والتجارة بين البلدين.
وفي الوقت الذي رحبت فيه شخصيّات وطنيّة وسنيّة عدّة في البرلمان العراقيّ بالزيارة، مثل كتلة “تحالف القوى الوطنيّة”، التي قال رئيسها لصحيفة “الرياض” السعوديّة في 21 آذار/مارس الفائت: إنّ زيارة الجبير للعراق حظيت بترحيب واهتمام عال، خصوصاً من قبل القوى الوطنيّة الرافضة لسياسة الهيمنة والتسلّط التي تمارسها إيران في هذا البلد، شكّكت شخصيّات شيعيّة المتشددة عدّة في أهداف الزيارة مثل قيس الخزعلي، الامين العام لمليشيات عصائب أهل الحقّ الشيعيّة المدعومة من إيران، الذي قال لقناة NRT الكرديّة في 27 شباط/فبراير: إنّ الزيارة تندرج ضمن مشروع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، وإنّ سبب الزيارة هو التخوّف من دور الحشد الشعبيّ المستقبليّ.
واتّهم النائب الشيعيّ عن ائتلاف القانون في البرلمان العراقيّ علي نور في تصريح صحافيّ بـ8 آذار/مارس الفائت، السعوديّة بمسؤوليّتها عن إراقة دماء الشعب العراقيّ طيلة السنوات الماضية، مطالباً السعوديّة بدلاً من تغيير سفيرها في العراق بأن تراجع سياساتها الخاطئة ضدّ العراق.
مبادرة الرياض لتحسين علاقتها مع بغداد جاءت بعد توتّر ديبلوماسيّ حادّ شهدته العلاقات بين البلدين، على أثر تصريحات إعلاميّة أطلقها السفير السعوديّ السابق في بغداد ثامر السبهان عن دور إيران في العراق، منها ما كتبه في حسابه على “تويتر” في 3 حزيران/يونيو من عام 2016 ، عن “أنّ وجود شخصيّات إرهابيّة إيرانيّة قرب الفلّوجة دليل واضح على أنّهم (أيّ الإيرانيّين) يريدون حرق العراقيّين العرب بنيران الطائفيّة المقيتة”، الأمر الذي أثار حفيظة إبراهيم الجعفري، الذي اعتبر كلام ثامر السبهان تدخّلاً في الشأن العراقيّ، وأعلنت وزارة الخارجيّة العراقيّة في 28 آب/أغسطس من عام 2016 أنّها طلبت من نظيرتها السعوديّة استبدال سفيرها في بغداد السبهان بسفير آخر.
وفي مقابلة مع قناة “الإخبارية” السعودية في يوليو من عام 2016 انتقد السبهان المعايير الدبلوماسية المزدوجة التي تتعامل بها الخارجية العراقية مع جيرانها، وقال ان الخارجية العراقية لا تتعامل معنا كما تتعامل مع ايران بمعنى انها تتغاضى عن تدخلات ايران في الشأن العراقي وعن تدخلات المسؤولين العراقيين في الشأن السعودي مثل اعتراضهم على تنفيذ حكم الإعدام ضد رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر في 2 يناير 2016، بينما يرفض المسؤولون العراقيون أي نقد توجهه الرياض ضد التدخلات الإيرانية وضد إرهاب المليشيات الطائفية داخل العراق.
وإنّ السبهان، الذي عاد إلى السعوديّة، قبل إعلان الخارجيّة العراقيّة طلب استبداله ببضعة أيّام، قال في اتّصال هاتفيّ مع قناة “العربيّة” بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الخارجيّة العراقيّة: “إنّ السياسة السعوديّة ثابتة، ولا ترتبط بأشخاص، وإنّ العراقيّين يعانون من ضغوط وأجندات معيّنة تفرض سياستها عليهم”، في إشارة إلى النفوذ الإيرانيّ في العراق.
إنّ العبارات اللطيفة، التي حرص الجبير على إسماعها للمسؤولين العراقيّين اثناء وجوده في بغداد في 25 فيراير الفائت، وكتابتها في حسابه الشخصيّ على “تويتر” في نفس اليوم عن تاريخ العراق ومكانته ووقوف الرياض على المسافة نفسها بين العراقيّين من ناحية العرق أو الطائفة أو الدين، وما تبعه من اجتماع عقده وفد دبلوماسي عراقي برئاسة وكيل وزارة الخارجية العراقي نزار الخيرالله مع دبلوماسيين سعوديين في العاصمة السعودية الرياض في 12 مارس الفائت والذي بحث خلاله الوفدان ملفات تتعلق بالتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي، لم تترجم حتّى الآن على واقع العلاقات بأكثر من اتفاق على تشكيل مجلس تنسيقي مشترك والامتناع عن التصريحات العدائية بين البلدين، وهذا أقل مما تتمنّاها الحكومة العراقيّة، رغم التسريبات الإعلاميّة الصادرة عن وزارة الخارجيّة العراقيّة عن وعود تلقّتها من السعوديّين بفتح خطوط الطيران بين البلدين وإلغاء الديون السعوديّة المترتّبة على بلادهم (منذ حرب العراق مع إيران في الثمانينيات) وفتح منفذ الجُميمة الحدوديّ بين البلدين وتدفّق الاستثمارات السعوديّة إلى بلادهم.
ويبدو أنّ الرياض تميل إلى عدم الإسراف في التوقّعات المتعلّقة بتطوّر علاقاتها مع بغداد، ويفهم ذلك من خلال نفي وزارة الخارجيّة السعوديّة في بيان نشرته وكالة الأنباء السعوديّة بـ30 آذار/مارس الفائت، الخبر الذي نشرته وزارة الخارجيّة العراقيّة على موقعها الإلكترونيّ في 23 آذار/مارس الفائت، عن نيّة السعوديّة إلغاء الديون السابقة المترتّبة على العراق والمقدّرة بحوالى 30 مليار دولار. وكذلك، من خلال الردّ الذي تلقّاه “المونيتور” في 5 نيسان/إبريل الحاليّ من مصدر ديبلوماسيّ سعوديّ في الرياض، طلب عدم الكشف عن اسمه لكونه غير مخوّل بالتصريح، عند سؤاله عن المدى المتوقّع للعلاقات السعوديّة – العراقيّة، وقال فيه: إنّ تعيين سفير سعوديّ جديد في بغداد هو أقصى ما يمكن توقّعه على المدى القريب. أمّا الملفّات الأخرى مثل فتح المنفذ الحدوديّ والاستثمارات وإلغاء الديون فلا يمكن التفكير بها جديّاً في الوقت الحاليّ حتّى يتمّ التأكّد من سيطرة الحكومة العراقيّة على أسلحة المليشيات الطائفيّة وتحرّكاتها وإثبات قدرتها على وضع حدّ للنفوذ الإيرانيّ في العراق.
وبغض النظر عن حجم دور الإدارة الأميركيّة الحاليّة وهدفها في حث الرياض على تحسين علاقتها مع بغداد، فإنّ الحكومتين السعوديّة والعراقيّة تدركان أنّ مصلحتهما في وجود علاقات طبيعيّة في ما بينهما، إلاّ أنّ مستوى الثقة بينهما ما زال متدنيّاً، فلا الرياض التي لا تملك أيّ نفوذ عسكريّ أو سياسيّ داخل العراق مستعدّة للتعامل الطبيعيّ مع العراق بصيغته الطائفيّة الحاليّة وبوجود التنظيمات المسلّحة التي تهدّد حدودها الشماليّة، ولا بغداد من جهتها قادرة على تقديم ضمانات واقعيّة تطمئن بها جيرانها السعوديّين على حساب حلفائها الإيرانيّين
________________________________