هل ملف الصحراء السبب الوحيد لانزعاج الرباط من برلين؟
توترت العلاقات بين المغرب وألمانيا ووصلت الأمور إلى حد منع الخارجية المغربية التعامل مع سفارة برلين في الرباط، فهل سبب الانزعاج المغربي من ألمانيا مرتبط فقط بالموقف من الصحراء الغربية؟
أرسل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خطاباً إلى رئيس الوزراء سعد الدين العثماني بتاريخ الأحد 28 فبراير/شباط، أبلغه فيها بقرار الرباط “تعليق جميع الاتصالات” مع السفارة الألمانية في المغرب في أعقاب “سوء تفاهم عميق” مع برلين حول قضايا مختلفة، بما في ذلك مصير الصحراء الغربية.
وجاء في الرسالة الرسمية أنَّ جميع الإدارات الوزارية مُطالَبَة بوقف جميع الاتصالات والتفاعلات والعمل مع كل من السفارة الألمانية في المغرب وأية وكالات تعاون ومؤسسات سياسية مرتبطة بها.
وفي اليوم التالي الإثنين 1 مارس/آذار نقلت وكالة Agence France-Presse عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية تأكيده أنَّ “المغرب يريد الحفاظ على علاقته مع ألمانيا، لكن هذا نذير يعبر عن عدم الارتياح بشأن العديد من القضايا”، مشدداً على أنه “لن يكون هناك اتصال حتى تُقدَّم إجابات للأسئلة المختلفة المطروحة”.
خطاب بوريطة الذي نشرته وسائل إعلام محلية مغربية أثار ضجة كبيرة داخل المملكة، فيما التزمت برلين الصمت ولم يصدر تعليقات رسمية حول أسباب وصول العلاقات الدبلوماسية إلى تلك الدرجة من التوتر.
ما نقاط الخلاف بين ألمانيا والمغرب؟
الموقف الألماني من الصحراء الغربية: وفقاً لمسؤول كبير في وزارة الشؤون الخارجية، يأتي في قلب هذه التوترات موقف ألمانيا من الصحراء الغربية، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ولم تُخفِ برلين- التي كانت بحسب موقع “يا بلادي” المغربي: “تختبئ وراء الشعارات الدبلوماسية المُستهلَكة الداعية إلى حل سياسي عادل ودائم يناسب الطرفين تحت رعاية الأمم المتحدة”- رفضها لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في ديسمبر/كانون الأول مقابل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.
وقال السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، كريستوف هويسغن، في 24 ديسمبر/كانون الأول: “أخذ زمام المبادرة في (القرارات المتعلقة بالصحراء الغربية) يقترن بمسؤوليات. إنَّ الأمر يسير جنباً إلى جنب مع التزام قوي لحل المشكلة”.
وأضاف السفير: “عليك أن تكون عادلاً وغير متحيز، وأن تأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة لجميع الأطراف وتتصرف في إطار القانون الدولي. ويجب السعي للوصول للحل النهائي للمشكلة تحت إشراف الأمم المتحدة وبما يتماشى مع القرارات الدولية”.
وفي حين أنه ليس سراً في الدوائر الدبلوماسية أنَّ برلين تتمسك بحزم بموقفها في هذا الشأن، نقل موقع الأخبار المغربي LeDesk قصة أخرى لا يمكن إلا أن “تثير استياء الرباط بشكل كبير”:
ففي 27 يناير/كانون الثاني، رُفِع علم جبهة البوليساريو أمام برلمان ولاية بريمن لعدة ساعات، بعد مناشدة الرئيس الجديد للمجموعة البرلمانية المشتركة “السلام للشعب الصحراوي” بالبرلمان الأوروبي، النمساوي أندرياس شيدر، إلى الاتحاد الأوروبي واللجنة الدولية للصليب الأحمر باتخاذ إجراءات ضد ما زعم أنها “انتهاكات” من جانب المغرب.
إقصاء المغرب من مؤتمر برلين بشأن ليبيا
قبل المشكلة السابقة، كانت الرباط، مثل تونس، غير راضية عن استبعادها من مؤتمر برلين الدولي في يناير/كانون الثاني 2020 حول ليبيا، وكان المغرب قد أعرب في ذلك الوقت رسمياً عن “دهشته البالغة” في بيان صحفي لوزارة الخارجية.
وجاء في البيان: “لطالما كانت المملكة في طليعة الجهود الدولية لحل الأزمة الليبية. ولا تفهم المملكة المعايير ولا الدوافع التي تحكم اختيار الدول المشاركة في ذلك الاجتماع”، مشيراً إلى أنَّ ألمانيا باعتبارها “البلد المضيف الذي يقع بعيداً عن المنطقة وعن تعقيدات الأزمة الليبية، لا ينبغي أن يحولها إلى أداة لتعزيز مصالحه الوطنية”.
ومع ذلك رفض وزير الخارجية ناصر بوريطة دعوة من نظيره الألماني لحضور مؤتمر آخر مرتبط بالجمعية العامة للأمم المتحدة. وذكر موقع Le360 المغربي أنَّ “هذه الدعوة هي محاولة للتدخل القسري، وتتزامن مع بدء جولة جديدة من الحوار بين الليبيين في بوزنيقة” بدفعة من المغرب في سبتمبر/أيلول.
وكانت المغرب في طليعة الدول التي توسطت في الصراع الليبي وتم توقيع الاتفاق السياسي المعروف باتفاق الصخيرات في المغرب والذي نتجت عنه حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، لكن انقلاب الجنرال خليفة حفتر على الحكومة وهجومه الفاشل على طرابلس أدى لانهيار الاتفاق، ثم كانت المغرب أيضاً وسيطاً واستضافت جلسات الحوار الليبي في بوزنيقة حتى تم التوصل للاتفاق الحالي واختيار عبدالحميد الدبيبة لرئاسة الحكومة ومحمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي.
“تدخُّل” المؤسسات السياسية الألمانية
ويتمثل مصدر آخر للتوترات تسبب بتقويض العلاقات بين البلدين منذ سنوات عديدة في المؤسسات السياسية الألمانية. ففي ديسمبر/كانون الأول 2019 ، كشفت رسالة سرية من موقع Africa Intelligence عن التوترات المتصاعدة بين الرباط وبرلين المتعلقة بمؤسسات كونراد أديناور وفريدريش إيبرت وفريدريش ناومان وهانس سيدل، وكشفت عن تعليق “مفاوضات الشراكة من أجل الإصلاحات في قطاعات متعددة”.
وأوضحت الرسالة: “هذا البرنامج المُموَّل جيداً- بقيمة 571 مليون يورو (687 مليون دولار) للفترة من عام 2020 وحتى 2022- كان موضوع مذكرة وُقِعَت في برلين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني. وأطراف هذا النقاش هي المؤسسات التي طلبت حصولها على وضع معين في المغرب، حيث تُصنَف ببساطة على أنها جمعيات”.
لكن هذا الطلب، الذي تقدم به السفير الألماني في الرباط جوتز شميدت بريمي، قوبل بالرفض من وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت وبوريطة. ووفقاً لوزير الداخلية المغربي، يمثل التمويل الذي تقدمه ألمانيا لبعض المنظمات غير الحكومية المغربية- بما في ذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- أعمال “تدخل” في شؤون المملكة.
وتشير عدة مصادر إعلامية مغربية إلى نقطة خلاف أخيرة؛ هي قضية المواطن المغربي الألماني محمد حجيب. اعتُقِل حجيب في البداية في عام 2009 أثناء سفره إلى باكستان، ثم قُبِض عليه لاحقاً في ألمانيا وأُطلِق سراحه بشرط عودته إلى المغرب، حيث حُكِم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة “الإرهاب”، ثم خُفِف الحكم بعد عامين إلى خمس سنوات.
وأُطلِق سراحه في عام 2017، وطالب بتعويض قدره 1.5 مليون يورو (1.8 مليون دولار) من ألمانيا، التي اتهمها بإجباره على العودة إلى المغرب في عام 2010، حيث قال إنه تعرض للتعذيب.
وصرَّح لمجلة Der Spiegel وبرنامج Tagesschau.de الألمانيين: “نادراً ما أنام بالليل خوفاً من الكوابيس. لقد دمرت السلطات الألمانية حياتي”. وبعد تحقيق مفصل في القضية، خلُص مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أنَّ اعتقال حجيب كان تعسفياً، وناشد الحكومة المغربية في عام 2012 الإفراج عنه فوراً وتعويضه.
________________________________