كان انتخاب دونالد ترامب رئيسا بمثابة انتفاض الناخب الأميركي على المؤسسة السياسية الأميركية، إلا أن انتخاب الفرنسيين إيمانويل ماكرون رئيسا كان تأكيدا لأوروبية الهوية الفرنسية في مواجهة الديماغوجية الشعوبية العبثية.
كانت أوروبا أكثر من عانى من نتائج عدم الاستقرار السياسي خلال السنوات الثماني الماضية من أقصى شمالها الشرقي الى جنوبها المتوسطي، رغم ذلك ثبتت أوروبا على مبادئها المدنية في كل قضاياها والقضايا الإنسانية.
نجح إيمانويل ماكرون عبر تياره “إلى الأمام” حينما فشل اليسار واليمين، وربما كانت أجندة الإصلاحي الاقتصادي هي أهم برامجه الوطنية إلا أن خطابه الفرنسي بامتياز في وقت الأزمة هو من حول هذا السياسي ذَا الرصيد النسبي إلى زعيم جديد في عهد جمهورية جديدة.
مرت فرنسا بتجارب عدة من اشتراكية ميتران التأميمية العبثية إلى جاك شيراك رجل فرنسا القوي، إلا أن فرنسا اليوم تتخلى عن التقليدي وتتأبط راية ماكرون وكأنه المحرر من إرث سياسي اتسم بالتشكيك في أخلاقيات كل قادتها السابقين، والقضاء الفرنسي شاهد على ذلك.
ستكون الانتخابات التشريعية الامتحان القادم لهذا الرئيس الشاب، وهي أداته اللازمة لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. فالفرنسيون يسمون هذه الانتخابات بالربيع الفرنسي. لكن هل سيقدم مبدأ العمل بالمساكنة السياسية Political Co-Habitation على حساب برنامج الرئيس؟
ماكرون ليس أيديولوجيا بل فرنسي براغماتي يؤمن بالبرامج السياسية، وحتى خطواته الأولى متوجها للفرنسيين في خطابه الأول من متحف اللوفر على خلفية بيتهوفن كان وحيدا لولا انتظار فرنسا وأوروبا له. كان خطابه عاطفي إلا أنه كان مناسبا سياسيا واجتماعيا ولم يسوق نفسه منقذا بل مؤكدا على ضرورة الإقدام في مواجهة كل التحديات.
إن استطاع ماكرون أن يحمل تياره “إلى الأمام” خطوة أخرى عبر الانتخابات التشريعية باستحواذ العدد المطلوب من المقاعد فإن ذلك سيمثل ثورة جديدة ستغير من الواقع السياسي الفرنسي دون الالتفات لماضيها التقليدي ألا فيما يتعلق بأوروبيتها.
أما كون ألمانيا المحطة الأولى لكل رئيس جديد فذلك فقط للتأكيد على مكانة الهوية الأوروبية في مشروعه السياسي.
اجتماعيا يجب أن لا ننسى أن الفرنسيين ينظرون لقيم هذا الشاب من خلال زواجه بامرأة تكبره بعقدين من الزمن، ففي هذا الزمن غير التقليدي ترى الفرنسيات الوفاء في هذا الرجل .
فرنسا والعالم أمام سياسي غير تقليدي، وتقليدي جدا عائليا واجتماعيا حتى عندما بدت زوجته بريجيت مترددة في ظهورها الأول بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكنها كانت أكثر ثقة عند انضمامها له بعد خطاب النصر في متحف اللوفر.
لم تكن بريجيت الوحيدة في الفرح بنتيجة الانتخابات الرئاسية، فزعماء أوروبا كانوا أول المهنئين وعلى رأسهم المستشارة أنغيلا ميركل عبر محادثة هاتفية. أما الرئيس ترامب فقد تجاوز البيت الابيض والبرقيات التقليدية وغرد مهنئاً بفوز ماكرون.
________________________________